... في التغيير، أنتَ لا تبحث عن معنى وجودكَ بين خرائب الأوهام، والأكاذيب، والأغلال، لأنّك تعشقُ أنْ تجده بارقاً في وميض الحريّة.
تلك الحريّة التي ما إنْ آمنتَ بها حتّى ألفيتَ نفسك مستمتعاً بأثيراتها على معانيكَ في فكر التغيير، فواحدة من تلك المعاني الملهمة أنّك أصبحتَ تعي أنّ الحريّة في فلسفة التغيير، تعني أولاً ما تملكهُ في عقلك من وعيّ الاختيار، وبه تستطيع أنْ تمضي في حريّتكَ بقدرتكَ على اختيارك الذي تعرفُ من خلاله أنّك لن تبقى رهين الأوهام، والأغلال، والأكاذيب والأفكار الانهزاميّة.
ترى أنّك تعتلي مدارج التغيير مفعماً بكلّ تلك التدفقات الحرَّة لأفكارك الرافضة للانغلاق والتردّد، والتوقّف والخوف والتراجع، وليس مقبولاً لديك أنْ تحبّ ما تريده من حريّتك في التغيير، لكنّك تخشاه في الوقتِ ذاته، ذلك لأنّك مدركٌ تماماً أنّ الحبّ لا يستقيم مع الخوف، فما تحبّه من فكركَ في التغيير تمضي معه بعيداً، بشغفٍ ومتعةٍ وانسيابيّة، وإنّكَ في هذا الانفتاح التواصليّ الخلاّق مع ما تحبّه من أفكارك في أفق التغيير الحرّ، إنّما تعمل على بناء تجربتكَ المعرفيّة، التي من خلالها تعرفُ مدى قدرتكَ على التغيير والتطوّر والتخلّق والارتقاء.
وإنّكَ إذ تتقدَّم هنا وهناك باحثاً عن أفكاركَ في التغيير، لا تكرّر ذاتك أبداً، لأنّكَ تكونُ على حقيقتكَ الحاضرة في جديدكَ من حريّة السؤال والفكر.
ولا تلتفِتُ كثيراً إلى ما كنتَ عليه بالأمس، لأنّك تنشغل بِغدكَ من الأفكار، وما قد تراه في غدكَ يربطكَ فعلياً بِأجمل معانيك في الفهم والتفكّر والمبادرة. كثيراً ما تعتقد أنّ الحقيقة دائماً ما تبقى حرَّة في مخاض التغيير، لا تستقيم مع الثابتِ من الأفكار، ولا تخضع للتفسيرات الجامدة والنهائيّة، وكم تراها في عقلك طليقة ومتمرّدة وقريبة وبعيدة، لا تستكين للوهم، والقيود، والانغلاق، صفتها الدائمة الحريّة والتخلّق والتغيير والتجديد، ولذلك عادةً ما تكون الحقيقة الحرَّة الطليقة، مُرعبة لأولئك الذين يرونَ أنّ ليس هناك سوى حقيقةٍ واحدةٍ تخصُّهم فقط.
وما تعرفهُ عن حقيقتكَ في فلسفة التغيير، هوَ بالضبط مقدار ما تستطيع أنْ تعرفه من طريقتكَ في الفهم والتفكّر، وفي هذا المنحى تتبنّى حريّتك، كَأجملِ ما تريد أنْ تعايشه دائماً، وعلى نحوٍ يتوافق كثيراً مع فكركَ الحرّ، الذي ترى فيه عقلكَ وقد تحرَّر من قيود الثابت والنهائيّ والسائد، وما تعايشه مع جديدكَ يدفعكَ دائماً إلى الاعتناء جيّداً بحريّتكَ، ويصبح تالياً وعيكَ الذي تعرفُ من خلاله أنّه من الخطأ أنْ تسجنَ المفاهيم في يقينٍ مطلق، وتبقى تدافع عنها وكأنّ فيها خلاص البشريّة. فالمفاهيم في فلسفة الفكر التغييريّ تخضع دائماً للنقد والتفسير الحرّ والتجربة والاحتمال، وفي كلّ ذلك تعرفُ تحديداً انّك في مخاض التغيير، عندما تدرك في خطوتكَ المقبلة حضور السؤال، وفكر المبادرة، وجرأة الخَلق.
تقدّر كثيراً حريّتك في التغيير، لأنّها أثمن ما يمكنكَ أنْ تملكه دائماً وأبداً، ومن شأن ذلك أنّكَ تملكُ عقلاً حرَّاً يفلسفُ حضوره باستجلاء المعاني وفقاً لنظرتهِ المستقلّة وتفكيره التساؤليّ، ولا يُمكن له في المقابل أنْ يخضع لبنود المحرَّمات الثقافية أو الوقوع في ثقافة تأثيم الذات.فالحريّة في عقلك مشرعة دائماً على رحابة التغيير والمبادرة والتجربة، والتفكّر، والتساؤل، ولا شيء يمنعه من ارتياد ما يتجنّبه العقل الجمعيّ، ففي حريّة التغيير ينتصر العقل الفلسفيّ لكيانهِ القائم أساساً على شغفهِ المتواصل بالمعرفة والتفكير والنقد، ويجد في كلّ ذلك متعةً كبيرة للتماسك في مواجهة كلّ ما من شأنهِ أنْ يصيبه بالجمود، أو الانغلاق، أو التبلّد أو السذاجة، ولا شيء لديه يضاهي جمال الحريّة في انشغالاتهِ، وإبداعاتهِ، ومعانيه المتطلّعة للجديد والجريء. دائماً ما تتوافّر في ثقافة العقليّة التغييريّة، تلك الأفكار التي تعينها كثيراً على فهم ما تصبو إليه في أفق التغيير، لأنّها أفكار العقل في سؤال التجربة، وأفكار الإبداع في أصل الحريّة، وأفكار التقدَّم في شجاعة المعرفة، وأفكار التنوّع في ثقافة التجديد، وأفكار الجمال في بناء الحياة.
كاتب كويتي