الاثنين 16 سبتمبر 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
دُور النشر... وخطورة غياب الوعي بالثقافة والفكر
play icon
من أعمال الفنان الكبير سامي محمد
الثقافية

دُور النشر... وخطورة غياب الوعي بالثقافة والفكر

Time
الخميس 29 أغسطس 2024
View
5
مدحت علام
"المؤلف النجم" يسهم في إفساد المعرفة ويقلل قيمتها
ناشرون عاهدوا أنفسهم على أن يسيروا في طريق المعرفة وآخرون غايتهم الربح بأي ثمن
تأسيس دار نشر ليس بالأمر الهين... وإنجاحها يحتاج الى صبر وعمل مستمرين
المجتمع يسعد بناشر تخطى الصعاب وتمكن من أن يصنع لداره مكانة متميزة

مدحت علام

لا يمكن إنكار أن أي صاحب دار نشر وطباعة وتوزيع، يحتاج لأن يكون لديه فائض ربح، يتمكن من خلاله الصرف على مشروعه، الذي يقام في مكان يحتاج لدفع إيجار شهري أو سنوي، كما أن لديه عددا من الموظفين والعمال والموزعين والفنيين، يحتاجون لدفع رواتبهم، كما أنه هو شخصياً يحتاج مبلغاً مالياً يأتي إليه ليعينه على قضاء احتياجاته الأسرية وغيرها، خصوصاً إذا كان هذا المشروع هو عمله الوحيد الذي ينتظر منه الفائدة والعائد المادي.

هذه النظرة تنسحب على كل دور النشر الربحية، التي ينتظر أصحابها، المردود المالي، بينما هناك دور غير ربحية، وهي قليلة، وتعتمد في مصادر تمويلها على مؤسسات رسمية، أو غير رسمية، أو أشخاص لديهم المال والوعي بأهمية النشر في حياة المجتمع.

فمسألة الربح واردة في العمل الثقافي، ولا يمكن استهجانها، أو رفضها، بل يجب تشجيعها ودعمها إن تطلب الأمر وسمحت الظروف، لأنها تدل على الحالة الثقافية للمجتمع، فكلما ارتفعت زادت أعداد دور النشر، وكلما انخفضت قلت دور النشر، فالوعي الثقافي للمجتمع سيدفعه إلى البحث عن الكتب سواء في صيغتها الورقية أو الإلكترونية، حيث إن دور النشر حالياً، تعتمد في معظمها على النشرين "الورقي والإلكتروني".

وإن المجتمع في كل حالاته، يجب أن يسعد بناشر تخطى الصعاب وتمكن من أن يصنع لداره مكانة متميزة على الساحة، وأن ينجح في جذب المؤلفين والمبدعين، لنشر كتبهم، وتوزيعها على نطاق واسع، محلياً وخارجياً، والمشاركة بها في معارض الكتب التي تقام في مختلف البلدان.

ولا يغيب عن الذهن أن تأسيس دار نشر ليس بالأمر الهين، ولا السهل، ومن يدخل هذا المجال لا بد أن يكون لديه قدراً من الوعي المعرفي والثقافي، ولا يشترط أن يكون كاتباً أو مؤلفاً أو مبدعاً - وإن توافر هذا الشرط فله قيمة مضاعفة وكبيرة - ولكن الشرط الأساسي أن يكون واعياً بمجتمعه ومدى حاجته للثقافة، ومن ثم فإن لديه مثلاً رأس مال يريد استثماره، فإما أن يختار الطريق الوعر من خلال تأسيس دور نشر، وما يتلازم مع هذا المشروع من عقبات وعراقيل وحتى إحباطات، وإما أن يختار مشروعاً ربحه مضمون، مثل المجالات التجارية بكل أنواعها.

إن صاحب دار النشر حتى يكون له اسم تتداوله الأسواق، فإنه يمرّ بمراحل صعبة، تعتمد على قوّة تحمله، وعلى ما لديه من وفرة مالية، ليتحمل الخسائر المتواصلة، حيث إنه يدفع إيجار المقر الذي تقام فيه الدار، وكذلك رواتب الموظفين، بينما العوائد المالية متوقفة، فليس هناك تعامل معه.. نتيجة لحداثه وجوده في السوق، ومن ثم وبعد جهد كبير إما أن يتوقف عن مشروعه ويتحمل الخسائر، وإما أن يواصل حتى يحقق تطلعه.

فهناك أصحاب دور نشر عاهدوا أنفسهم على أن يكون لهم دور فاعل في المجتمع، من خلال مساندة المعرفة الجيدة الجادة، وعدم الوقوف جانب التسطيح والبذاءة المعرفية، وهم الذين نعوّل عليهم في مسألة الترويج للثقافة الحقيقية، التي تخدم المجتمع وتقدّم له الكتب التي تساهم في توعيته وإرشاده إلى الطرق الصحيحة، التي يجب ان يسلكها للوصول إلى مبتغاه من التطور والرقي.

فيما أخذ أصحاب دور نشر أخرى عهداً على أنفسهم، أن يعملوا من أجل الربح المادي، بأي شكل من الأشكال ولا يهمّ ما يقدموه للمجتمع من كتب، بل إنهم يميلون إلى أشباه المؤلفين، أو المهرجين، الذين يكتبون في السحر والطبخ، والخواطر التي تدغدغ مشاعر المراهقين، والروايات التي تفقد أدنى مقومات العمل الأدبي، فهم يراهنون على التبسيط والتسطيح والبذاءة والسقوط في هاوية الأعمال التي ينجذب إليها قراء لا يبحثون عن المعارف ولا الثقافات الجادة بقدر بحثهم عن المتعة، وقراءة ما لا يجعلهم يفكرون، وللأسف هم كثر ووسائل التواصل الاجتماعي قد عزّزت هذه الأمور من خلال المؤلف النجم الذي لديه عدد كبير من الجمهور الذي يتابعه ليس لأنه متميز، بل لأنه كرس كل وقته لخدمة نفسه على تلك المواقع، ليظهر في صورة النجم الفارغ من المضمون، الذي لديه من المعجبين والمعجبات الكثير، ولكنه في الداخل فارغ ليس لديه ما يعطيه للمجتمع، بصفته مؤلفاً أو كاتباً تلك الصفة التي لا وجود لها في مساعيه وتحركاته.

لذا، فقد ازدهرت تلك الحالة في الساحة الثقافية، ورأينا نجوم التأليف وقد استقطبتهم دور نشر تبحث عن الربح بأي شكل من الأشكال، ورأينا كذلك طوابير القراء على حفلات توقيع هؤلاء النجوم، من دون أن تعرف سبباً واضحاً لهذا التزاحم على إصدار خال من المعنى والمضمون، ولا يقدم أي فكرة أو رؤية تذكر.

لقد تعكّرت الساحة الثقافية والمعرفية بهؤلاء، الذين لا يعتبرون التأليف سلعة فيها الإغراء والإسفاف والتبسيط، لجذب المزيد من المستهلكين، الذين يسعون إلى المتعة ولا يتطلعون إلى ما يفيد مجتمعهم. وعزاؤنا أن هناك دور نشر ملتزمة بمبادئ المعرفة الجادة، ومؤلفون يجنحون في إصداراتهم إلى المواضيع التي تتوافق مع الرغبة في التقدم والرقي، ونذكر هنا دار الفراشة للنشر والتوزيع لصاحبها الكاتب والإعلامي فهد الهندال، الذي يعمل مع زوجته الكاتبة هديل الحساوي برقي مع المؤلفين الجادين، ومن ثم فخلال سنوات قليلة، أصبح لهذه الدار اسمها وقيمتها في ساحة النشر.وكذلك دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع لصاحبها الدكتور عبدالعزيز المنصور، بكل ما تتضمنه من مشروعات وأفكار ثقافية وإصدارات ذات جودة عالية في الشكل والمضمون، ومن دور النشر غير الربحية دار سعاد الصباح التي تقدم لنا خلاصة الأفكار الثقافية من خلال إصداراتها المميزة، وكذلك إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهناك الكثير من دور النشر التي تسير على هذا المنوال، ومن ثم علينا أن نشجعها، وندعم توجهها بأي شكل من الأشكال، كي لا تظل المعرفة وإصدار الكتب تحت رحمة ناشر غايته الربح ولا شيء غير الربح.

آخر الأخبار