الاثنين 16 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

المنافقون في غزوة تبوك بين الأمس واليوم

Time
الأربعاء 04 سبتمبر 2024
View
100
محمد الفوزان
قَصص إسلامية

وقعت أحداث غزوة تبوك في شهر رجب سنة تسع من الهجرة النبوية، قبل حجة الوداع، كما قال ابن حجر في "فتح الباري"، وعن كعب بن مالك (رضي الله عنه" قال: "لم أتخلف عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها"( رواه البخاري).

ونظرا للظروف الصعبة التي أحاطت بهذه الغزوة، فقد صرح النبي (صلى الله عليه وسلم) بجهتها وطبيعتها على غير عادته، وذلك لإدراكه بعد المسافة، وكثرة المشقة، وقلة الزاد، وشدة الحر، وطبيعة العدو.

وقد جاء الفقراء والضعفاء وأصحاب الأعذار إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يطلبون منه أن يعينهم بحملهم معه إلى الجهاد في سبيل الله في الغزوة، فاعتذر لهم النبي أنه لا يجد ما يحملهم عليه من الدواب، فانصرفوا وقد فاضت أعينهم حزنا وأسفا على ما فاتهم من شرف الجهاد، فأنزل الله تعالى فيهم قوله: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون"(التوبة:92:91).

وفي مقابل حزن أصحاب الأعذار على عدم استطاعتهم الخروج للجهاد مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، ظهرت فئة تحمل الحقد والبغض للإسلام وأهله، لكنها تعيش بين المسلمين وتنتسب لدينهم في الظاهر وهي منافقة، وحقيقة هؤلاء كما قال الله تعالى عنهم: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"(المنافقون:1).

قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرا عن المنافقين: إنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاؤوا النبي، فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك، بل ضد ذلك، ولهذا قال تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله"، أي: إذا حضروا عندك واجهوك بذلك، وأظهروا لك ذلك، وليسوا كما يقولون، ثم قال: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"

وللمنافقين في غزوة تبوك مواقف وكلمات أظهرت نفاقهم قبل الغزوة وبعدها، ومن ذلك:

ـ انصب موقفهم قبل الغزوة في عدم الاعتذار عن المشاركة فيها، خوفا على أنفسهم من القتل أو الأسر بسبب قوة الروم، متعللين بعلل واهية كما قال أحدهم معتذرا عن الخروج للغزوة: أخشى أن تفتني نساء الروم، وفي ذلك قال الله تعالى: "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين"(التوبة:49).

وأخذ المنافقون يضعفون المسلمين، ويبثون بينهم الخوف والفزع من الروم، ويخذلونهم عن الخروج للقتال والجهاد كما قال الله تعالى عنهم: "وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون"(التوبة:81).

ولم يكتفوا بذلك، بل أخذوا يسخرون من المسلمين وقالوا: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء(يعنون الصحابة) أرغب بطونا، وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء. فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مقالتهم ووصل إليه خبرهم اعتذروا عن هذا الكلام القبيح، وقالوا إنما قلناه على سبيل الهزل واللعب، وليس على سبيل الجد والحقيقة، فأنزل الله تعالى فيهم: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"(التوبة:66:65).

وبينما النبي في غزوة تبوك، وركْب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها، هيهات هيهات. فأطلع الله نبيه على ما قالوا، فقال: "عليَّ بهؤلاء النفر". فدعاهم، فقال: "قلتم كذا وكذا". فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب".

ومن مواقف المنافقين الخبيثة في غزوة تبوك، ومن عجيب ما تفتقت عنه حيلهم في مكرهم وكيدهم للإسلام والمسلمين، اتفاقهم على بناء مسجد يلتقون فيه تحت ستار العبادة ورغبتهم في الخير، وهم في الحقيقة يريدون من خلاله تفريق المسلمين، فذهبوا إلى النبي وهو في طريقه إلى الغزوة ليصلي بهم فيه، فاعتذرصلى الله عليه وسلم، وأرجأ ذلك لحين عودته من الغزوة، وفي أثناء عودته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة نزل عليه قول الله تعالى: "والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون *لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين"(التوبة:108:107).

قال ابن كثير: "فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله إلى تبوك، وجاؤوا فسألوا رسول الله أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله، فلما قفل (رجع) راجعا إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم ـ مسجد قباء ـ الذي أسس من أول يوم على التقوى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة".

من دروس السيرة النبوية في غزوة تبوك: بيان خطر النفاق والمنافقين، والذي هدد ويهدد الأمة الإسلامية على مر العصور، فبلية المؤمنين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين والمحاربين، لأنهم لا يظهرون ما يعتقدون من كفر، ويتآمرون على الإسلام والمسلمين في الخفاء، ولهذا قال الله تعالى عنهم: "هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون"(المنافقون:4).

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار