لا نبالغ إذا أكدنا مرة جديدة، أن الإجراءات التي اتخذها صاحب السمو في مايو الماضي لا تزال تلقى صداها في البلاد والخارج، رغم أن بعض المتمصلحين والدولة العميقة كانوا يشوشون عليها، لعلهم يستطيعون التأثير في القرارات الجراحية، غير أن عملية الإنقاذ الأميرية حسمت كل الجدل، بل تحولت في نظر المواطنين، قبل الدول الأخرى، بارقة أمل لخروج الكويت من مأزقها الذي استمر سنوات طويلة.
لا شك أن الفوضى والفساد عمّا البلاد في العقود الثلاثة الماضية، وهذا يتطلب جهداً كبيراً لإزالته، والبناء من جديد، ما يعني أن أمام مجلس الوزراء مهمة كبيرة تحتاج إلى رجال أكفاء، ومستشارين لديهم القدرة على سدّ الثغرات، وكذلك حكمة في اتخاد القرارات، كي لا يتحول أي خلل إلى أزمة كبيرة تنسف كل الجهود.
كما من الضروري أن يكون هناك وزراء تكنوقراط، لا يخضعون إلى أي ضغط، فالشعب يريد أن تترجم رؤية صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد إلى أفعال، إذ لا يمكن الوقوف عند مشارف الرؤية من دون الغوص في أعماق المشكلات لحلها، ما يعني أن تكون الاختيارات واضحة لا لبس فيها، وتكون الهيئات والوزارات تعمل طوال الوقت، بلا محاباة، وكذلك الإقلاع عن القاعدة الفاسدة "هذا ولدنا"، ولا العمل بـ"حب الخشوم".
الكويت لا تزال تعاني من مشكلات عدة، واجبة الحل، لأن استمرارها يضغط على المواطنين، ويزيد من معاناتهم، أكانت القروض أو الإكراه البدني على المعسرين، أو التعليم أو الصحة، أو الإسكان، أو التنمية الصناعية، خصوصاً أن هناك بحثاً جدياً، في تنشيط العمل بميناء مبارك، وهو يحتاج إلى منطقة لوجستية، بل مناطق حرة.
من هذا المنطلق، وجبت الاستعانة بخبراء، أكانوا من المواطنين أو من الخارج، فهذا لا يعيب الدولة، بل يدل على قدرتها على هضم الأفكار وترجمتها إلى أفعال عبر قرارات وقوانين واضحة، وفي هذه النقطة لا يمكن البناء من فراغ، لذا، فإن تحديث التشريعات بات ضرورة.
فهناك دول عديدة أكثر من الكويت ثراء في عدد السكان، ولديها نخب على مستوى مرموق، استعانت بأدمغة من الخارج، وفي مرات عدة تطرقنا إلى بعضها، وفيما نكرر اليوم تجرية الصين، حين استقدمت الأكاديمي من أصل عراقي، بريطاني الجنسية، إلياس كوركيس، والذي يعترف له الصينيون قبل غيرهم بأنه مؤسس ستراتيجية مشروع نهضة التنمية الاقتصادية في بلادهم، وغيره الكثير من الخبراء في عدد من الدول، من هنا لا تضر الاستعانة بالخبرات الدستورية والقانونية، والاقتصادية من الخارج في عملية البناء التنموي الكويتي.
فصاحب السمو الأمير بدأ عملية إنقاذ جذرية، وحسم الأمر عبر إنهاء التدخلات القبلية والطائفية والعائلية، والمحاصصات، ولقد رأينا وجوهاً وزارية شابة لديها حس وطني كبير، وقادرة على العمل، كما أن عجلة الإنتاج لم تتوقف حين جرى التعديل الوزاري، أو استقال أحدهم، فهذا يدل على أن الدولة لا تنتظر أحداً، ولا تقف عند شخص ما، وهو ما أراد صاحب السمو إثباته، حين علق مجلس الأمة، وكذلك بعض مواد الدستور.
على هذا الأساس، لا بد أن يكون في ذهن مجلس الوزراء والمسؤولين كافة ما قاله صاحب السمو من 22 يونيو عام 2022 إلى اليوم، لأن فيها رسائل لا يمكن الحياد عنها إذا كانت هناك رغبة في تحقيق آمال سموه التي هي رغبات المواطنين.
ففي عمليات الإنقاذ لا يسمح بالخطأ، إذ يجب أن تكون العملية متكاملة، وهذا لا بد أن يكون في ذهن المسؤولين، خصوصاً مجلس الوزراء الذي يقوم مقام السلطتين التنفيذية والتشريعية.