لا تُخلف وعداً فأنت لا تدري ما تهدم بذلك

حديث الأفق

كم بليغاً بقي في هذا الزمان وكيف لنا تعليم أبنائنا الحنكة والفراسة؟

التجارة بالأديان هي تجارة رائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها التخلف

إذا رأيت الخطيب يحض الفقراء على الزهد فاعلم أنه لص بزي واعظ

الفقر لا يصنع الثورة إنما وعي الفقير يصنعها وشيخ الطاغية يغيِّب العقل

البلاغة في إيصال الرسائل فن لا يتقنه الكثير من الناس، ولهذا خلدت الكثير من القصص عن أناس قصدوا توصيل رسائلهم إلى حكام من دون أن يلاحظ الموجودون في حضرتهم ماذا يقصدون، ومن ذلك حكاية عن امرأة برمكية مع الخليفة العباسي هارون الرشيد عندما قضى على البرامكة، لأنهم عبثوا في الدولة، وأشاعوا الفساد فيها.

تقول الحكاية: إن امرأة برمكية دخلت على الخليفة هارون الرشيد، وعنده جماعة من أصحابه، فقالت له: "يا أمير المؤمنين، أقرّ الله عينك، وفرّحك بما أتاك، وأتمّ سعدك، لقد حكمت فقسطت".

فقال لها الرشيد: "من تكونين أيتها المرأة"؟

فقالت: "أنا من آل برمك، ممن قتلت رجالهم، وأخذت أموالهم، وسلبت نوالهم".

فرد هارون الرشيد: "أما الرجال، فقد مضى فيهم أمر الله، ونفذ فيهم قدره، وأما المال فمردود إليك".

ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه، فسألهم: "أتدرون ما قالت المرأة البرمكية"؟

فقالوا: "ما نراها قالت إلا خيراً".

فقال لأصحابه، وقد كان معهوداً عنه البلاغة: "ما أظنكم فهمتم مقصدها، فأما قولها: "أقرّ الله عينك"، أي أسكنها عن الحركة، وإذا سكنت العين عن الحركة عميت، وقولها: "فرحك بما أتاك"، فأخذته من قوله تعالى: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة...)، وقولها: "أتم الله سعدك"، فأخذته من قول الشاعر:

"إذا تم شيئاً بدا نقصه

ترقب زوالاً إذا قيل تم".

وفي قولها: "لقد حكمت فقسطت"، فأخذته من قول الله تعالى: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً).

فتعجب أصحاب الخليفة العباسي من بلاغة المرأة البرمكية، وعلم كلامها الغزير، فلقد كانت تدعو عليه بدلا من الدعاء له، من دون أن يلاحظ فقهاء القوم وأبلغهم.

وأما العجب الأكبر، فكانت حنكة هارون الرشيد وذكاؤه في فهم مقصد المرأة البرمكية ومطلبها، إذ كان حذراً جداً معها، وفهم بالضبط ما كانت ترمي إليه.

فكم من بليغ بقي في هذا الزمان، وكيف لنا أن نعلم أبناءنا البلاغة والحنكة والفراسة؟

الواعظ اللص

قال ابن رشد: إذا رأيت الخطيب يحض الفقراء على الزهد دون الحديث عن سارقي قوتهم، فاعلم أنه لص بملابس واعظ، ويضيف: إن التجارة بالأديان هي تجارة رائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها التخلف.

فإذا أردت أن تتحكم في جاهل فما عليك إلا أن تغلف كل باطل بغلاف ديني، وقال كارل ماركس: إن الفقر لا يصنع الثورة، إنما وعي الفقير هو ما يصنعها.

الطاغية مهمته أن يجعلك فقيراً، وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً، كذلك قال غوستاف لوبان: إن الشعوب المتدينة لا تشعر بتأنيب الضمير عندما ترتكب خطأ أخلاقياً أو قانونياً، لأنها نشأت على مفهوم أن العبادات تمحو الذنوب، وهو ما يشكل أرضية خصبة لسوء الخلق.

وعد الملك قتل الحارس

رجع الملك إلى قصره في ليلة شديدة البرودة، ورأى حارساً عجوزاً واقفاً بملابس رقيقة، فاقترب منه، وسأله: ألا تشعر بالبرد؟

أجاب الحارس: "نعم، أشعر بالبرد، لكن لا أمتلك لباساً دافئاً، فلا مناص لي من التحمُّل".

فقال الملك: "سأدخل القصر، وأطلب من أحد خدمي أن يأتيك باللباس الدافئ".

فرح الحارس بوعد الملك، الذي ما إن دخل قصره حتى نسي وعده، وفي الصباح كان الحارس العجوز قد فارق الحياة، وإلى جانبه قصاصة ورق كتب عليها بخط مرتجف: "أيها الملك كنت أتحمّل البرد كل ليلة صامداً، لكن وعدك لي بالملابس الدافئة سلب مني قوتي، وقتلني".

وعودك للآخرين قد تعني لهم أكثر مما تتصور، فلا تخلف وعداً، فأنت لا تدري ما تهدم بذلك.

نكشات

أميرنا أعاد إلى الحكم هيبته، فلقد كنا لا نعرف من يحكمنا، هل نواب أو متمصلحون أو نافذون، أما اليوم فقد عرفنا من يحكمنا.

لماذا يُمنع الكويتي من السفر نتيجة دين ثبت أنه لا يملك المال للتسديد؟ أوقفوا الإكراه البدني وشكراً لمحكمة التمييز التي ألغت منع السفر عن المديون.

يقول الحكماء: إذا ابتسم المهزوم فقد انتصر، وهذه لذة النصر، وعلاج الجاهل التجاهل.

بالمطر ينبت الورد وليس الرعد... الكلام كبير.

نحن بحاجة إلى الأبواب المفتوحة وإلى وزراء ميدانيين يتابعون ماذا في وطنهم، وماذا يؤلم مواطنيهم.

محاولة التفاهم مع الأنثى وهي تبكي مثل محاولة تقليبك أوراق الصحيفة وسط العاصفة، لهذا احتضنها وستهدأ.

بعض الأحيان قد تضطر إلى تفضيل بعض الآراء، ليس اقتناعاً بها، لكن لكي يصمت أصحابها.

ليس عليك إسعاد كل الناس، لكن عليك ألا تؤذي أحداً منهم.