قبل شهر مايو الماضي، كانت الكويت تعيش في فوضى، و"حيص بيص" جراء ممارسات استمرت طوال العقود الثلاثة الماضية التي تلت التحرير، والسبب أن السلطات المعنية، وبدل العمل على ترميم الوضع النفسي والاجتماعي للمواطنين نتيجة ما تركته صدمة الغزو، اهتمت بإعادة الإعمار لأنه يدر على المتنفذين وأصحاب الشركات الثروات، وتناست عمداً الإصلاح النفسي وبناء هوية وطنية حقيقية، لأن ذلك هو الأهم.
لهذا، رأينا أنواع الفساد كافة في غضون سنوات قليلة، وجرائم كبرى ضد الوطن، وكأنه أصبح سوقاً تُعرض فيه بضائع الخبث و"الحرمنة" والتطاول على رموز الدولة، وكذلك الدس على حكام دول "مجلس التعاون" والغمز من قنوات شعوبها التي بذلت الكثير في سبيل نصرة الحق الكويتي، إذ بدلاً من الاعتراف بهذا رمى بعض النخب، ومنهم نواب، أو من يسمون أنفسهم "مثقفون"، الكثير من الحجارة على التضامن والوحدة الخليجية، هذا الأمر جعل الكويت تبدو ضعيفة جداً، بل كأنها منبوذة خليجياً في مرحلة من المراحل.
أما في الداخل، فقد كان الأمر ينمُّ عن أن هناك مخططاً متعدد الرؤوس لهدم الدولة، حين سعت مجموعات سياسية وقبلية وطائفية إلى تقويض الاستقرار الداخلي، وإشاعة الانتماء القبلي والطائفي والحزبي المتطرف في المجتمع.
لهذا، رأينا بعض المخافر تحولت مستعمرات قبلية، وأخرى طائفية، وأصبح المجرم أو المخالف يخرج منها وكأنه بطل جراء "الفزعات" النيابية والقبلية والطائفية، بل إن الأمر وصل إلى محاولة تقويض القضاء.
لهذا حين قلنا، ونكررها اليوم، إن أمير المرحلة، صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد، أطلق عملية إنقاذ شجاعة، لم نكن نبالغ، فما وصلت إليه البلاد في تلك السنوات يدل على فرض "سلطة أمر واقع" قبلية وطائفية، خصوصاً عندما استعان أصحاب النفوذ والمال بكتل نيابية، وبعض رجال الدين، حتى بعض أعضاء الأسرة الحاكمة الذين خرجوا عن العقد الاجتماعي بين الشعب وأسرة آل الصباح الكرام.
من نافلة القول، إن اليد الواحدة لا تصفق، فإذا لم تكن هناك نخبة مسؤولة تترجم رؤية الحاكم إلى عمل، أكان في تعديل القوانين وتحديثها، أو من خلال الاعتماد على الكفاءات في المناصب التنفيذية، ستذهب كل الجهود أدراج الرياح، لهذا نكرر القول: إن الشعلة التي أطلق شرارتها صاحب السمو الأمير تحتاج إلى رجال يحملون مشاعلها وينيرون الطريق في سبيل خدمة الوطن، وتحقيق آمال الشعب.
فالكويت اليوم تحتاج إلى الكثير من العمل لأجل معالجة "البلاوي" التي تركتها ممارسات 60 عاماً من الفوضى، وكذلك تنشيط الناتج الوطني عبر تنمية اقتصادية مدروسة، وإنشاء بنية صناعية، وأخرى من الاكتفاء الذاتي غذائياً، وإصلاح التعليم الذي هو الركن الأساسي لتطور أي أمة.
قلنا في مرات عدة لن يضير الكويت إذا اعتمدت على أدمغة من الخارج، فعليها التفكير خارج الصندوق، كما فعلت دول أخرى، وأيضاً التخلص من نعرات جلبت علينا الكثير من الأذى، أكان في النظرة إلى المقيمين، أو مقولة: الكويت دولة ديمقراطية ولهذا هي غير عن بقية دول الخليج، فكل الشعوب تعمل من أجل راحتها ولخدمة وطنها، ولا تنام على حرير الماضي الذي تسبب في كل هذا الخراب.
نعم، طوال الأشهر الأربعة الماضية عاشت البلاد أزهى صورها مع الإجراءات الإنقاذية التي اتخذها أمير المرحلة، ولهذا على مجلس الوزراء، بل كل مؤسسات الدولة، أن تكون عند حسن ظن الشعب الذي قال صاحب السمو الأمير إن تطلعات الشعب هي تطلعاتي، لأن علينا أن نخرج من 60 عاماً من البؤس والتراجع والنهب والتمصلح والفُرقة القبلية والطائفية، ونسير في هدي مشعل النهضة.