يدور الحديث هذه الأيام في أروقة الدوائرالسياسية، عن مرحلة ما بعد حرب السابع من أكتوبر، التي فاجأت فيها "حماس" العالم، في يوم لم يكن مكتوباً بأجندة التاريخ.
"حماس" كانت ترى أنها ستدخل حرباً، وأنها ستخرج منتصرة، أو يكون لها دور محوري في المستقبل.
من المؤكد أنها أخطأت، وأن حساباتها كانت خاطئة، وسواء كان قرار الحرب داخلياً من عندياتهم أو أوامر خارجية (إيران مثلاً)، لكن في كل الأحوال كانت الحرب مخيبة، ومغامرة غير محسوبة، بدأت كأي معركة تدور في الشارع بين صبيين.
الإسرائيليون لم يكونوا يحسبون حسابات الحرب المفاجئة لخصم، أو عدو، لكنه أضاف طرفاً، فالغزاويون، في صباح كل يوم، يعبر آلاف العمال منهم الحدود إلى إسرائيل للعمل، وكسب عيشها، وقوت يومها لسبعة أطفال وأمهم، ولبقية الأسرة.
الغزاويون يعتمدون في معيشتهم خلافاً للعمل المياه العذبة،والكهرباء التي تمدهم بها إسرائيل، فقطاع غزة لا يملك الإمكانات اللوجستية التي تعتمد على قدراته الذاتية، (مساحته نحو 5 في المئة من كل فلسطين، بينما عدد سكانه يربو على أربعة ملايين إنسان، فتصور معي حجم الازدحام والضجيج، الذي لا مكان فيه لوضع قدم على الأرض..
حرب السابع من أكتوبر لا شك كانت مغامرة، بل لعلها انتحار لإنسان ضاقت به الدنيا وضاق به الذل، لكنه غامر بانتحار على الذل، فراهن على دماء الشعب المغلوب على أمره، فيما القيادة لم تمس، حتى لو أصبح أحد ضحاياها رأسها (إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة "حماس") الذي اغتيل في غرفته أثناء زيارته لطهران الذي قيل إن الإسرائيليين اغتالوه، لكن "حماس" لا تموت بموت قائدها السياسي، فهي ليست إلا شبكة ضمن شبكات أخطبوطية عالمية محكمة ومعقدة.
في كل الأحوال يهمنا الكويت، التي تدفع دماً ومالاً وطعاماً، ومن دون دعاية أو إعلام، إذ إن سياسة الكويت "لا تعلم اليد اليسرى ما تعطيه اليد اليمنى"، أقول هذا قد ينفع لمن يعمل في الأعمال الخيرية، لا في الحروب وسياسات دول، ومن يتزعم أو يرجع للوراء، فنحن ندفع وأخرون يسرقون، مواد التموين التي تذهب إلى هناك يبيعونه في الأسواق، من يبيعها ليس المهم، المهم أن هناك عابثين سارقين ويبيعون جهاراً نهاراً عيني عينك.
هذا ما يدفعنا إلى السؤال: أين نحن وأين مكاننا في ما يسمى "اليوم التالي"، هل نبقى البقرة الحلوب التي تدر حليبها ليسمن به الأخرون، فيما لا نسمع منهم إلا مسبات ولعنات؟
"اليوم الأخر" بدأ الاستعداد له، ويبدو أن المائدة قد جهزت، وراح بعضهم يكبر كرشه، ويفرض شروطه، وهو لا يريد حضور العرس، لكنه يريد أكل القرص.
وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد قال كلمته، وسبق الأخرين حول ما يسمى اليوم التالي، اذ قال: "الامارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة من دون قيام دولة فلسطينية".
فيما قالت سفيرة السعودية في واشنطن الأميرة ريما ال سعود: "بينما يوجد عنف على الأرض ويستمر القتل لا يمكننا الحديث عن اليوم التالي"، هذه بعض مواقف وآراء جيراننا وشركائنا في الدم العربي أو في الهم العربي.
الحرب ستنتهي، حتى إن لم يكمل بنيامين نتنياهو خطته ابادة جماعية للفلسطينيين في غزة، ولـ"حماس" أولاً، لكن سيأتي يوم لإلقاء السلاح ووقف الحرب، وهنا تبدأ حرب الإعمار، فمن يستعد لكي يدفع المليارات لإعادة الإعمار، وهل الغزاويون أو "حماس" يفتحون خزائنهم وخزائن الشبكة الأخطبوطية العالمية للإعمار، أم تعالوا يا كويت ويا قطر والسعودية ساعدونا وابنوا بيوتنا، وبصراحة اغسلوا أيديكم الغرب لن يدفع دولاراً واحداً؟
الكويت في السلم تدفع، وفي الحرب تدفع، وكان جزاؤها جزاء سنمار فهل سنبقى إلى الأبد خارج الأبواب والقرارات التي تأتينا وتفرض علينا للتنفيذ فقط، يجب أن تكون لنا كلمتنا ودورنا وقرارنا، إذا كانوا يريدوننا ندفع، فلتكن بشروطنا لا بشروط تفرض علينا من فوق.
صحافي كويتي
[email protected]