الصراحة منجاة، وأيضاً هي تصويب للأخطاء، لذلك أتحدث بالحقيقة كما أراها، بل وتراها الغالبية، وقبل ذلك علينا أن نقيّم سريعاً تجربة 50 عاماً من السلبيات الكثيرة، وبعض الإيجابيات التي لا يعول عليها في بناء دولة قوية.
قلنا منذ زمن إن الكويت تُحكم عبر 51 أميراً، واحد في قصر السيف، والبقية في مجلس الأمة، بل طغى هؤلاء الـ 50 على كل شيء، حتى أنهم زحفوا، دون أي وجل، على صلاحيات السلطة التنفيذية، والقضاء الذي هو ميزان الدول العصرية، وجعلوا السلطات كافة "سوق جمعة" تباع فيها وتشترى كل القيم، فعملوا على فرض محاسيبهم في المؤسسات، وتمعّنوا في الظلم إلى درجة أن الكفء غير الموالي لهم أصبح فاسداً، ومتهماً بكل الموبقات، فيما غير الصالح للعمل "رزوه" في المنصب، كل هذا بناء على الانتماء القبلي أو الطائفي أو المناطقي، أو الحزبي، أو التمصلح.
نتيجة ذلك، أُسقط وزراء، بل ورؤساء مجالس وزراء، ووكلاء ومسؤولون كثر، لهذا شاع الفساد في البلاد، وتأجلت مشاريع كثيرة بسبب عدم حصول بعض النواب على حصة فيها، أو لا تخدم مصالح الحزب، أو تعيق المتنفذ، وسنّوا قوانين على مقاس جماعتهم، ووضعوا كوادر مالية وفقاً لما يخدمهم.
أساؤوا كثيراً لعلاقات الكويت، الخليجية والعربية والدولية، فمن الأمثلة على ذلك، مسوا بقادة دول خليجية، وعربية، وتوهموا أنهم أصحاب الحل والربط عربياً، وربما دولياً.
كذلك حين أقر قادة "مجلس التعاون" الخليجي دعم مصر بعد خلاصها من حكم جماعة "الإخوان"، انبرى نواب هذا الفريق، وطالبوا بعدم وضع أربعة مليارات دولار وديعة في بنكها المركزي، بل أكثر من ذلك، قدموا اقتراحا بقانون يمنع الأمير من التبرع بأكثر من خمسة ملايين دولار، وكما تدخلوا في منح الجنسيات، وسحبها.
لم يكتفوا بذلك، إذ لكي يُخضعوا السلطات كافة لهم، اقترحوا مشروع قانون، لم يسبق أن شهدته حتى جمهوريات الموز، وهو منع انتقاد مجلس الأمة، أو النواب، ومن يطالب بتعديل الدستور، وحل مجلس الأمة، بالسجن خمس سنوات، أي أرادوا من ذلك القول: "إننا نحن الحكام".
هذا الوضع ما كان ليستمر، ففي النهاية يقوض الدولة، وكما أنه يمس بجوهر الكويت، الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ولهذا كانت هناك مطالبات كثيرة بتعديل الدستور، ومعالجة المثالب والثغرات التي تسمح لسلطة بالطغيان على الأخريات، إلا أن هذا كان يواجه بالقول إن هذا هو الدستور، وهذه هي الديمقراطية، وإذا طالبت الناس بحل المجلس قيل لهم: "أنتم من انتخبتموه"، أي كنا ندور في حلقة مفرغة، فيما البلاد في انحدار مستمر.
قيل قديماً: "اللي ما عنده كبير يشتري كبير"، فالكويت كانت طوال 50 عاما بحاجة إلى كبير يدرك ماذا يعني استمرار الخراب في مؤسسات الدولة.
أخيراً، يسر لنا الله صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي أدرك منذ زمن أن الدول لا تحكم برؤوس متعددة، لذا فور توليه مسند الإمارة حاول العلاج بالتي هي أحسن، إلا أن الغيّ أعمى البصائر قبل البصر، فاستمر المخربون يعيثون فساداً، ووصل بهم الأمر إلى التطاول على رأس الدولة، وكذلك المسّ بأعراض الناس، فكل من كان يعاديهم يلفقون له تهمة.
في أحيان استخدموا أجهزة الأمن المولجة بالحفاظ على استقرار البلاد، وحماية الشعب، ففسروا بعض المقالات، والتغريدات وفق هواهم، فظلموا الكثير من الناس، وأصبح "الشق عود"، والخراب لم يعد يُحتمل.
اليوم طويت صفحة تلك المرحلة، بعدما اتخذ صاحب السمو قراره الحازم، وبات اليوم مجلس الوزراء لديه صلاحيات تشريعية وتنفيذية، ولهذا، عليه أن يعمل من أجل توضيح مسار الدولة، كي لا يقع في الأخطاء التي وقعت بها مجالس وزراء سابقة.
لا شك أن تركة ثقيلة، عمرها 50 عاما، لا يمكن إزالة تبعاتها بين ليلة وضحاها، ولهذا قلنا، ونكرر، أعان الله من يعمل على تصويب المسار، إلا أن اليد الواحدة لا تصفق، لهذا، كل ما يطلبه الكويتيون حالياً أن تكون هناك خطة وزارية مدروسة دراسة عميقة حتى لا يعالج الخطأ بالخطأ، كما حصل في مرات سابقة، وكانت في النهاية النتيجة المزيد من الخراب.