في كل الوزارات والمؤسسات الكويتية هناك دائرة علاقات عامة، ومن إحدى مهماتها الاتصال بالجمهور، والترويج للمؤسسة، ويجب أن يكون لكل منها متحدث رسمي، وحتى لرئاسة الدولة والحكومة أيضاً، لكن يبدو أن مجلس الوزراء الحالي يريد تغيير هذا الأمر الراسخ في العالم كله، من خلال تعيين وكالة "كونا"، أو بالأحرى أحد موظفيها متحدثاً رسمياً باسم الحكومة.
هذا يعني أن وزارة الإعلام بكل ما فيها من جيش عرمرم، وكذلك دوائر العلاقات العامة في الوزارات، لا شغل لها سوى بصمة إثبات الحضور، ثم اللعب بالهواتف النقالة حتى نهاية الدوام، ويا موظف "ما تشوف شر"، ولذلك يبدو أننا عدنا إلى قاعدة "اذنك خشمك"، التي جلبت الويلات على البلد.
الدول التي تحترم قوانينها، تعمل على إسناد المهمات إلى المتخصصين، إذ ليست هناك تعيينات عملاً بالمثل "هذا ولدنا حطه على يمناك"، فالقاعدة الصحيحة معرفة المتحدث الرسمي بكل كبيرة وصغيرة في المرفق الذي يعمل فيه، على أن تضم دائرته نخبة من الأشخاص المتحدثين الحاذقين في الرد على الأسئلة، حتى المحرجة منها بأسلوب ديبلوماسي.
ففي كل وزارات الخارجية بالعالم لديها ناطق باسمها له مؤتمر صحافي يومي، وهو القادر على التواصل مع وسائل الإعلام، وليست هناك أي وزارة تتجاهل الرد على استفسارات الناس، حتى الشائعات توضحها، وليست إحالة الناس إلى القضاء، إلا عندنا دائماً هناك من يسير عكس التيار.
ففي الشهرين الماضيين، كثر القيل والقال، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن أمور عدة وقرارات جعلت الكويتيين يتوجسون من المستقبل، خصوصاً شائعة نهاية خدمة الموظفين الذين هم على مشارف التقاعد، ولأن الجهة المعنية لم توضح الأمر، فهناك مجموعة لا بأس بها طلبت التقاعد المبكر، وقد تضررت من ذلك لاحقاً.
وبعد أسابيع، نُشر توضيح على استحياء لا يشفي غليل الموظفين، بل يزيد الأمر التباساً، ولهذا، لا تزال الشائعة تفعل فعلها.
أيضاً، ما حدث من عطل في "سيستم" وزارة الصحة وهو مرّ مرور الكرام، ولم يعرف أحد مدى الأضرار التي تكبدها المواطن جراء ذلك، ولم يخرج على الناس متحدث رسمي في هذه الوزارة الحساسة كي يوضح ما جرى، وكأن ذلك حدث في دولة أخرى.
كذلك الأمر في الأحداث التي شهدتها مباراة الكويت والعراق في تصفيات كأس العالم، والبلبلة بشأن اتحاد كرة القدم، وبدأت التخمينات تشرق وتغرب، وكأن المسألة أصبحت "بازاراً"، فيما لم يجر توضيح الأمر.
في المقابل، هناك همٌّ واحدٌ يشغل الوزراء، وهو متابعة الحسابات الوهمية، التي معظمها من خارج الكويت، وبينما هم يعرفون أن ذلك مستحيل إيقافه، فهناك مقولة تنطبق على هذا الوضع، وهي إذا أردت قتل الشائعة أطلقها، عبر توضيحها، وإذا كانت صحيحة اعمل على إصلاح الخلل، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لنقلها صراحة، إن ما يجري في هذا الشأن مصدر من مصادر الفساد الذي استبشرنا خيراً أننا بدأنا نتخلص منه عبر عملية إصلاح دقيقة، لكن يبدو أن مجلس الوزراء الحالي يسير على النهج نفسه الذي سبقه، ما يعني أننا "لا طبنا ولا غدا الشر"، فيما الحل بتفعيل دوائر العلاقات العامة في كل مؤسسات الدولة، وأن يكون لها متحدث رسمي، وليس إيكال الأمر إلى وكالة مهمتها تختلف عن مهمة الناطق باسم مجلس الوزراء والوزراء.