إلى اليوم، لا تزال المفاجآت التي أحدثها قرار صاحب السمو الأمير، الشيخ مشعل الأحمد، مساء العاشر من مايو الماضي، تتوالى، فمن اللحظة الأولى كانت المتغيرات واضحة، إلى درجة حتى أن المرور انتظم، وبدأت تظهر هيبة الدولة، بعد أن وصلت إلى درجات سيئة.
الفرحة الكبيرة التي عمّت الكويت بتلك الإجراءات أوضحت كم أن الاستياء الشعبي كبير من الممارسات التي سادت طوال خمسة عقود، واستفحلت بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي، بالتالي لا بد أن يقابل هذا بخطوات يلمس أثرها المواطن سريعاً، ويطمئن إلى مستقبله من خلال قرارات إيجابية تفسح في المجال كي يتخلص من القلق الذي عمّ البلاد.
لهذا نكرر، إن الكويت شهدت في الخمسين عاماً الماضية تفرق القرار، وعدم الحزم، بسبب ترك "الخيط والمخيط" لمجلس الأمة والدولة العميقة للزحف على صلاحيات الحكومة، ومنذ ذلك الحين عشنا أصعب الأيام، فيما بدت مجالس الوزراء المتعاقبة كأنها أصيبت بالشيخوخة.
للتذكير فقط، ففي تلك المرحلة، كانت القرارات الوزارية تصدر إلى الوزير من النواب، إلى حدّ أن بعضها عبر رسالة "واتساب"، أكان في ما يتعلق بمنح الحفلات، أو منع دخول هذا أو ذاك، إلى حدّ أن أحد النواب هدّد في العام 2014 بمنع دخول الشاعر جلال الدين الرومي، المتوفى عام 1273 ميلادية!
أضف إلى ذلك، التعيينات غير الطبيعية التي شهدتها المؤسسات كافة، إلى حد تعيين من ليست له خبرة في إدارة رؤوس الأموال في أهم المناصب المالية التي تؤثر في صناديق الأجيال القادمة والاستثمارات، وغيرها، وكأن الدولة أصبحت "عزبة" للنواب.
كل هذا ترتبت عليه منافع ومصالح أفسدت الإدارة العامة التي تحتاج اليوم إلى عمل مرهق كي تزيل الآثار السلبية التي تركتها تلك المرحلة.
فمنذ العام 1963، ومع أول أزمة وزارية، كانت المؤشرات لا تبشر بخير، ومع 47 مجلس وزراء، وجيش من الوزراء، بعضهم جاء إلى المنصب من أجل الحصول على الراتب الاستثنائي، كان الانحدار يتسارع، خصوصاً في العقود الثلاثة الماضية، التي كشفت عن عجز كبير في منظومة القرار، وكذلك المالية العامة.
هذا ما تسبّبت به الحقبة الماضية حين كان مجلس الأمة معسكرات قبلية وطائفية، ومناطق نفوذ لهذا وذاك، وهو ما تسبّب في ذلك الخراب، لكن اليوم كل هذا انتهى، ولهذا، فإن إصلاح الوضع يجب أن يبدأ من التخلص من الممارسات الفاسدة، وأيضاً لا بد من إعادة النظر في هيئات وُجدت من أجل التنفيع، أو كي يسجل هذا النائب نقطة على خصمه، فيما مصالح الدولة العليا ليست ذات أهمية، وإننا إذ نؤيد إعلان مجلس الوزراء خطة لإلغاء أو دمج بعض الهيئات، فإن المطلوب هو إعادة النظر بنحو 18 هيئة تتضارب صلاحياتها مع بقية الوزارات.
وبناءً على ذلك، فإن تخفيف العجز المالي، والتكدس الوظيفي لا بد أن يُدرس بكثير من العناية، وليس على مبدأ "خذوه فغلوه"، لأن هذا يتسبب في أزمة كبيرة، فهذه الهيئات بُنيت على فساد، لكن ما ذنب الموظفين الصغار الذين تتحمّل الحكومات المتعاقبة مسؤوليتهم؟ وعلى مجلس الوزراء حاليا إيجاد طريقة للتخفيف من هذا العبء.
لقد أوضح صاحب السمو في العاشر من مايو الماضي في نطقه السامي خارطة طريق لحل أغلب المشكلات، وإذا كانت هناك نية وزارية جدية للحل يمكن السير فيها، فهذه المرة الأولى، منذ الاستقلال، التي تحظى الكويت بقيادة لا تخاف في الله لومة لائم، خصوصاً أن صاحب السمو تدرج في المهمات والمواقع الرسمية، ويعرف خنينها وخيباتها.
لهذا، فإن مجلس الوزراء مطالب أن يبدأ فوراً بتعديل القوانين التي تسبّبت في إغلاق البلاد، ويعمل على فتح المجالات كافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، إذ لا يُعقل أن تبقى الكويت تعيش على دخل وحيد، وهو النفط والاستثمارات الخارجية.
صحيح أن هناك نشاطاً ملموساً في عملية إطلاق العمل في ميناء مبارك الكبير، لكنه ليس كافياً، لأن تعزيز الناتج الوطني يحتاج إلى مرونة أكبر، على غرار ما تفعله دول العالم كافة، وتحديداً الخليجية منها، التي قفزت في غضون عشرين عاماً قفزات كبيرة في هذا الشأن، وقد ظهرت ملامح ذلك في السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعُمان.
في كل هذا، هناك أمر يطمئن، وهو أن الحاكم الحالي أعلن منذ البدء محاربته لكل أنواع الفساد، وقد وجّه سموه إلى محاسبة الكبير قبل الصغير، فهل ينجح مجلس الوزراء في هذا التحدي؟
الإجابة عن هذا السؤال متروكة للأيام المقبلة.