موقف وزارة الصحة من تأمين "عافية" يبعث على الحيرة، وكل يوم منذ ظهور المشكلة نكتشف امراً مختلفاً، ولقد سمعنا مبررات عديدة. في البداية كان وقف العمل بتأمين "عافية" بسبب عدم وفاء شركة التأمين بالتزاماتها تجاه تمديد العقد.
ثم سمعنا أن هناك محاولة لتمديد العقد ستة أشهر، ثم فوجئنا بالغاء التأمين لمدة عام من خلال الغاء القانون الخاص به، وهو الذي أقر بتوافق بين مجلس الأمة والحكومة، وكان قانوناً شعبياً استفاد منه قرابة مئتي الف مواطن ومواطنة، وساهم كثيراً في تخفيف العبء على القطاع الصحي الحكومي، كما ساهم في نمو استثمارات القطاع الطبي الخاص.
و لا أذيع سراً إذا قلت إن الغاء قانون تأمين "عافية" كان مخيباً لآمال عدد كبير من المواطنين المستفيدين من خدماته، وكان أحد أهم آليات الرعاية الصحية التي تقدمها الدولة للمواطنين المشمولين به، وهذا النمط من الرعاية الصحية الذي تدعمه الدولة ليس فريداً من نوعه، بل تعمل بمثله دول عديدة، وضعت صحة المواطن كأولوية، وهي فعلا أولوية.
وإذا شاب هذا التأمين استغلال، او سوء استخدام، فذلك يجب ان يعالج لصيانة المال العام، أما أن يلغى، وبشكل مفاجئ، فذلك سبب ارباكاً كبيراً لدى القطاع الطبي الخاص، وللمواطن، على حد سواء، فمعظم المستفيدين رتبوا أوضاعهم الصحية، وخصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة، مع أطباء ومستشفيات في القطاع الخاص.
واذا كان بيان وزارة الصحة قد أكد أولويتهم في القطاع الصحي الحكومي، فإن هذا التأكيد محل شكوك كثيرة بشأن هذا القطاع على استيعاب عدد السكان المتنامي.
ان النمو السكاني المطرد، والطلب المتزايد على الخدمات الصحية، سيؤديان الى إضعاف أداء الرعاية الصحية الحكومية، التي يتشارك فيها المواطن والمقيم، كما سيؤديان إلى تفشي "الواسطة"، وصلة القرابة في الحصول على الرعاية الصحية في وقت يعاني فيه المريض، أصلاً، من طول مدة المواعيد وطوابير الانتظار.
ومن زاوية أخرى، فإن إلغاء قانون "عافية " الحق ضرراً باستثمارات القطاع الطبي الخاص، وقد نمت وتوسعت هذه الاستثمارات من خلال تحفيزها عبر هذا القانون، وتمكن القطاع الخاص من تخفيف العبء على الخدمات الصحية الحكومية.
الحقيقة، من غير المفهوم تحديد فترة سنة، بعد أن تم إلغاء القانون، والأقرب للعقلانية أن تكون وزارة الصحة، بعد كل هذه الفترة، قد تعرفت عن كثب على مشكلات التطبيق، فتعمل على تصحيحها بالتعاقد مع شركات تأمين صحي وطنية، لكنه بالفعل لأمر محير.