لا يمكن للدولة النهوض والتقدّم إذا لم تعمل الحكومة، التي هي اليوم تؤدي دوراً تشريعياً وتنفيذياً في الوقت نفسه، على ورشة قانونية للتخلص من كل ما أفرزته مرحلة الفوضى النيابية التي قامت على أساس التمصلح، واستغلال النفوذ، وإشاعة الفساد في معظم مؤسسات الدولة.
لهذا، حين يأمر صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد بالإجراءات الجريئة والشجاعة لوقف الزحف على صلاحيات السلطات كافة، كان يدرك أن أي ضعف في مؤسسة، يعني إفساداً عاماً لبقية المؤسسات، ولأن العلة في الدستور الذي شاخ، ولم يعد قادراً على تطوير الدولة، فإن الصحيح تعديله بما يناسب التطورات التي شهدها العالم، طوال 61 سنة من إقراره.
وإذا كانت الحاجة إلى تعديل "أبوالقوانين"، أليس من المفيد العمل على تطوير التشريعات التي أُقرّت من أجل الإفساد، والخروج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد منذ نحو خمسة عقود، وقد ازدادت بعد تحريرها من الغزو العراقي.
لا بد من الاعتراف بأن ذلك الاهتراء الذي بدت عليه الدولة كان نتيجة تمسُّك مجموعة لا بأس بها بعدم النظر في الدستور، ورفضها المسّ به، لأنها مستفيدة من الوضع الشاذ، لذا عملوا على تأبيد هيمنتهم على المؤسسات، وفرضوا كل شيء على الوزراء، حتى منعهم فرح الناس.
كل هذا بعد أن فرضوا قوانين سياسية وسلوكاً اجتماعياً وتمصلحاً، وكذلك احتكار المشاريع الكبرى وغيرها الكثير، ما أرهق المجتمع والمالية العامة، وفرض على الكويتيين الكثير مما لم يألفوه طوال أربعة قرون.
هذه الأجندات كافة يمكن إجهاضها إذا كانت هناك قدرة لدى مجلس الوزراء حالياً على تعديل القوانين المتخلفة، خصوصاً ما يتعلق بفتح البلاد، وفي هذا الشأن نشدُّ على يد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، الشيخ فهد اليوسف، التي بدأت بتحسين شروط الإقامة، وكذلك قانون المرور، والجنسية وغيرها، علما أن ذلك يحتاج إلى عمل كبير وطويل، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.
لا بد لمجلس الوزراء من العمل بقانون الرهن العقاري الذي ألغاه نواب مجلس الأمة ليعززوا سيطرة المتنفذين وتجار العقارات على المحتاجين للرعاية السكنية، والذين ليست لديهم القدرة على استكمال بيوتهم، فقبل الإلغاء كانت هناك سعة في العلاقة بين المالك والبنوك، وكذلك كانت هناك قدرة على التخفيف من غلاء العقارات والأراضي.
فالإصلاح يبدأ من الضروريات كي يشعر الناس بالاطمئنان والاستقرار، ولهذا يحتم النظر بما يمكنه تأمين مجالات أكثر حرية للحركة الاقتصادية عموماً، والإفساح في المجال لشركات محلية وأجنبية للعمل في البلاد، مع هامش من الاستقلالية، كما تفعل دول العالم كافة، ومنها بلدان "مجلس التعاون".
فكما قلنا في مرات عدة، هناك الكثير من الشركات العالمية الرائدة في مجال الخدمات كافة، ومنها على سبيل المثال، توليد الكهرباء، وهي قادرة على تأمين هذه الخدمة بأقل من التكلفة التي تتكبدها المالية العامة، وبالتالي يمكن الاستعانة بها في هذا المجال، وكذلك العمل على بناء مناطق لوجستية على طول الحدود، ومناطق حرة أيضاً، وكل هذا يحتاج إلى قوانين مرنة، وحديثة، والتخلص من حبال التخلف التشريعي التي تشدنا إلى الخلف، إذ يكفي الكويت ما عانته طوال العقود الخمسة الماضية، ما جعلها تسير على غير هدى.