السبت 10 مايو 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

لا تحسبوه شراً لكم

Time
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
View
90
محمد الفوزان
قصص إسلامية

كان أحدهم موظفاً في إدارة حكومية سعودية في مكّة المكرّمة، وكانت له زوجة صعبة المزاج، حنّانة، نكدية صعّبت عليه عيشته، وكان له إخوةٌ ينازعونه في أرض، وقد وصلت الأمور بينه وبينهم إلى ما يقارب القطيعة.

وفي يوم خرج ذات صباح من بيته، وقد وجّهت له زوجته النكدية الحنّانة كماً من الصراخ والنقد المزعج، وانطلق إلى دوامه، وهو في حالة غضب شديد، وصل المسكين إلى عمله متأخراً، ولم يجد موقفاً لسيارته، فأوقفها في موقف المدير الذي لم يصل بعد، وصعد ليدرك توقيع الحضور قبل أن يُرفع، ثم يعود ليبحث لسيارته عن موقف آخر، لسوء الحظ، وصل المدير الذي كان منفعلاً أيضاً، وأخذ يصيح به ويوجه له شتائم وسباباً، فما كان من صاحبنا إلا أن يتّجه نحو المدير، ويفرّغ كل غضبه على هيئة لكمات، وركلات، وضربات، وسباب، ثم استقلته سيارته ومضى.

نهض المدير واتصل بوكيل الوزارة، ولم يأتِ آخر النهار إلا وقد صدر أمر بنقل صاحبنا إلى مكان بعيد جداً، من مكة إلى عرعر.

جاءه الخبر فكتب استقالته على الفور، ثم مكث أياماً يتأمل في حاله، وقال في نفسه: "حسناً، ما يمنعني من الذهاب إلى عرعر؟ لا مدير مثل العالم، ولا زوجة زي الناس، ولا إخوة زي البشر، هل سيكون الوضع هناك أسوأ"؟

فمزق الاستقالة، وقَبِل قرار النقل الذي منحه بضعة أيام، قبل أن يباشر في مقر عمله الجديد.

وذهب من فوره إلى كاتب العدل، وتنازل عن الأرض لأشقائه، وتنازل عن بيته وجعله باسم زوجته، ثم مضى إلى المحكمة وطلّق زوجته، وأخذ ثيابه وانطلق إلى عرعر، حيث الحياة الجديدة، وعمله الجديد.

وصل إلى المنطقة، وباشر في تلك الإدارة، وتلقاه زملاؤه بالترحاب، وكذلك المديرُ لحاجة في نفس يعقوب سنعرفها بعد قليل.

واندمج الرجل بسهولة في محيطه الجديد، وأخذ يتعرف على الناس، وهم هناك أهل سعة في الوقت والصدر، وأهل كرم، وأحبه الناس وأحبوه.

وذات يوم دعاه مدير الإدارة وقال له: "أنت هديةٌ من الله؛ فقد جئت في وقتك، وقد بلغ بي الملل من هذا المكان مبلغه، وأنا أتحيّن فرصة للعودة إلى الرياض؛ ولم يمنعني من العودة إلا أن موظفي الإدارة جميعهم ليس فيهم جامعيٌّ واحد، أما وقد جئتَ؛ فإني مغادرٌ وموصٍ بأن تكون خليفتي في منصبي".

ومرَّت الأسابيع والأشهر بسرعة، وجاءت الموافقة من الوزارة على نقل المدير للرياض، وتعيين صاحبنا في موضعه.

وجد الرجل نفسه وجيهاً من وجهاء تلك الناحية، يجالس أمير المنطقة ووجهاءها، ورؤساء الدوائر الحكومية في عرعر في منازلهم، ودواوينهم، ومزارعهم، وجاءته ترقيةٌ حسنةٌ زاد معها دخله، وصار يشارك القوم ويدعوهم، ويعزمهم ويذبح لهم، ونالَ أرضاً حسنة على هيئة منحة من البلدية التي يجالس أمينها، وحصل على قرض فابتنى لنفسه منزلاً فخماً جميلاً جعل في فنائه خيمةً يستضيف فيها الناس وعِلية القوم.

وفي يوم عقدت الوزارة لقاءً جمعت فيه مديري الإدارات في الرياض، فوجد فيها مديره السابق الذي فوجئ به، ولما حكى له ما جرى معه تعجب المدير، وذهب ما كان في نفسه عليه، أمّا عن زوجته النكدية، فقد كسرها الطلاق كسراً، وأكبرت في الرجل ما صنعه لها حين تخلى عن الدار لها، وسجلها باسمها؛ فألحت عليه تريد أن تعود إلى عصمته، فأبى إلا بعد شروطٍ شبه تعجيزية، وضعها لكي ترفضها امرأته، فوافقت عليها كلها، فأعادها إلى عصمته، أما إخوته فقد راجعوا أنفسهم وتشاوروا قبل أن يتفقوا على ضرورة الصلح مع أخيهم، الذي نقم عليهم وزهد فيهم، فأخذوا يسترضونه، ودعوه وأولموا له، وأصلحوا ما بينهم وبينه.

وبعد حين من الدهر، حنّ إلى مكة فعاد إليها معززاً مكرّماً ووجيهًا.

يا سادة تفاءلوا بالخير تجدوه، واعلموا أن الله رحيم بعباده، وأنه إذا سدّ عنك باباً فإنه يفتح لك أبواباً، وأن الظروف والأحداث الصعبة قد تؤدي بك إلى طريق آخر لم يكن يخطر على بالك وذهنك، فتكتشف أن هذا الطريق هو الذي يحملك إلى النجاح والتوفيق.

"وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار