جل ما يطرح من قضايا، لم يتمكن من الغوص في هموم المواطن وأولوياته، إلا النذر اليسير، وكأن الكل يغني على ليلاه، لأغراض في نفس يعقوب، من دون أن نسمع حلولاً ومعالجات لهموم وقضايا تتدحرج أمامنا وتكبر ككرة الثلج، وإن كان قد طرح شيء من هذا القبيل فقد تم المرور عليه مرور الكرام، ولا يسمن ولا يغني من جوع.
كان المواطن ينتظر بفارغ الصبر معالجة التضخم، وارتفاع مستوى المعيشة الذي التهم قدرته الشرائية، وخفض القيمة الشرائية للدينار على نحو ملفت، لكنه لم يسمع حلاً واقعياً يمكن أن يرى النور، وبقي المواطن أسير هذا الوضع، لا حول له ولا قوة، وزد على ذلك، وعود حكومية طال أمدها بدراسة الموضوع، فيما لم يرَ المواطن نتيجة واقعية لها.
إن الأمر ينسحب كذلك على الوضع الاقتصادي الهش، وتردي أوضاع الإدارة الحكومية، وملف التعيينات الـ"براشوتية"، وتطوير التعليم والخدمات الصحية، وتنويع مصادر الدخل، وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره، والتي يجب أن تكون جميعها من أولويات مجلس الوزراء.
لقد طغى النزاع السياسي المعهود والمكرر عبر سنين على كل تلك القضايا، وكأنه قد كتب علينا، ولا خلاص منه، ولعل أكثر ما يشد الانتباه، ويثير الدهشة الخلاف المستعر على التجنيس وهو أمر لا ينبغي الخلاف حوله، فالقانون واضح، وأي إجراء لا بد أن ينسجم مع القانون.
الحقيقة، أن ما يصعب على الفهم هو تكرار الأساليب نفسها، والممارسات ذاتها التي أصبح من الواضح أنها لا تؤدي إلى ما يرجوه المواطن، و يتطلع إليه من نتائج، وكأنه كتب على البلاد أن تبقى في المسار نفسه.
السؤال المهم: لماذا يكون التشنج في قضايا أثبتت الممارسة أنه غير مجد ولا يؤدي إلى نتيجة، ويبقى يتكرر حول كل قضية، ويكون المواطن هو أول الخاسرين؟.
السؤال المهم الآخر: لماذا تغيب الحكمة عن ممارستنا الديمقراطية، ويغيب الرشد عن خطابنا السياسي، ويكون التشنج والنزاع سيد الموقف؟.
لا أبوح بسر إذ أقول إن تجربتنا الديمقراطية، في ظل ما ذكرته، لم تقدم، إلى الآن، نموذجاً مقبولاً ليس في تقييمنا فقط، إنما كذلك في تقييم الأشقاء من حولنا.
وأنا أعلم تماماً، أن ما تطرقت إليه يكرره الكثيرون من الحريصين على تصحيح مسار مسيرتنا الديمقراطية، واليوم نرى جميعا أن المشهد السياسي يلفه الغموض، وتلف المواطن الحيرة حول ما يمكن أن تصل إليه الأمور.
أنا هنا أنبه بحرص المواطن الغيور على وطنه، إن لم يتحل الجميع بالحكمة ويؤدي كل منا مهماته بعقلانية، ويمارس خطابه برشد، فإن قضايانا ستبقى معلقة، أو في الأدراج المهملة.