أم براك، امرأة مثل كل قريناتها من نساء الكويت، من بيئة محافظة، وحالتها المادية ميسورة، عملت في الحكومة، وتزوجت، وأنجبت الأبناء، وسعدت برؤية الأحفاد.
بعد التقاعد وجدت نفسها بين العمل المنزلي وإدارة شؤون الاسرة، والذهاب إلى الشاليه في نهاية الأسبوع، والزيارات، والمناسبات الاجتماعية، لكن هذا بالنسبة لها عمل روتيني هامشي، لا يرضي طموحها، ولا يناسب شغفها، وعطاءها، وقدرتها المتقدة على العطاء، والإنتاج، وتحدي المستحيل.
فبدأت مشروعها في تربية الطيور المغردة في المنزل، وتربية الماعز (البربرية) في الشاليه، وأعطتها جل اهتمامها، فنجحت، ورأت الإنتاج يزيد ويكثر، لكن ذلك لا يكفي، ولا يرضي طموحها، فاشترت مزرعة في العبدلي، وبدأت مشروعها الزراعي، لكن بعد دراسة متأنية، وتخطيط دقيق، واستشارات مع أهل الشأن من المزارعين المخضرمين، ومشاهدات، وعرفت إخفاقاتهم ونجاحاتهم، وما يصلح للإنتاج الزراعي من المنتجات، وما تستعصي زراعته، بسبب البيئة المناخية الصعبة، وندرة المياه.
عملت على البيئة التحتية للمزرعة، ومدت شبكة للمياه، وبنت خزانات اسمنتية عملاقة لتجميع المياه، زودتها بمولدات الضخ، ومكائن السحب، ومولدات الكهرباء، وعملت مخططاً محكماً، ومنظماً لتقسيم المزرعة، من حظائر للماشية من أغنام، وأبقار، وماعز، وحظائر للدواجن بأنواعها، واختارت الأنواع بعناية، وحرصت على السلالات النادرة، وجهزت مصنعاً للأعلاف، وإنتاج علائق الأعلاف الصحية، والمفيدة، ولم تنس أن يكون في المزرعة صيدلية بيطرية لتلافي الأمراض الموسمية، والعابرة.
وفي الجانب الزراعي قسّمت المزرعة إلى قطاعات مختلفة، وزرعتها ما بما يناسب البيئة، ومردود مالي، وبنت محميات عملاقة زودتها بالمراوح والتبريد، وزرعت فيها ما يناسبها من أشجار التين، والموز، والبابايا، والحمضيات، والمانغا، وكل ما تجده مناسباً، وصالحاً للزراعة فيها.
وقد حولتها جنة غناء يطرب لها الخاطر، وتسر الناظرين، ولم تكتف بذلك، بل جالت العالم، وطافت الديار، بحثاً عن منتجات جديدة وبذور غريبة، من شرق آسيا، وآسيا الصغرى، وجلبت البذور لهذه الخضار والفواكه، ونجحت في زراعتها، وإنتاجها.
أم براك نجحت في مشروعها الزراعي، بل تميزت، وأبدعت فيه، لأنها أعطته كل وقتها، وجل اهتمامها، وكل خبراتها، وطموحها، وهي تعمل في مزرعتها الجميلة كل أيام الأسبوع، من الصباح الباكر حتى الليل، من دون كلل أو ملل، تراقب بذورها وهي تنمو، وبراعمها وهي تزهر، وأزهارها وهي تتحول فواكه ناضجة، ولذيذة.
وفي الجانب الإنساني هي مالكة المزرعة، ومديرة المشروع، لكنها تعمل جنباً إلى جنب مع العمال يداً بيد، تساعدهم، وتوجههم، وتشاركهم تعبهم، وعرقهم، تشجعهم، وتحثهم على العمل بكل تقدير، واحترام.
فبادلوا العطاء، وتفانوا في العمل، فازدهر المشروع، وأينعت الثمار، وكثر الخضار وتفتحت الأزهار.
أم براك أمرأة من طراز خاص، وذات عقلية سبقت عصرها، تحدت المستحيل، وركبت الصعاب، فحصدت النجاح، وحققت طموحها، فهي نموذج لكل أمرأة كويتية جادة، وناجحة، نعم إنها المرأة الحديدية، والمزارعة الناجحة.
دكتور في القانون ومحام كويتي
[email protected]