دولٌ كثيرة مرّت بالفوضى، السياسية والبرلمانية، وكذلك الحكومية، وعانت سنوات عدة من خراب تسبّب به السلوك السياسي غير الحكيم، لأنها افتقدت رجل القرار، الشجاع في خطواته.
ففي بلجيكا، استمرت أزمة تشكيل الحكومة نحو ثلاثة أعوام في العقد قبل الماضي، إلى أن تنازل أحد الأحزاب عن مطالبه، أما إيطاليا فقد عانت من ذلك طوال عقود، إلى حدّ تشكل 69 مجلس وزراء كان متوسط عمره أقل من سنة، فيما في فرنسا فقد تشكلت 22 حكومة خلال 11 سنة.
عربياً، عانى الأردن من فوضى برلمانية وحكومية لفترة من الفترات، إذ كانت تجرى الانتخابات النيابية أحياناً كل بضعة أشهر، وهذا أثر في وضعها الاقتصادي والسياسي، وكذلك البحرين التي عمل ملكها بهدوء وحكمة على معالجة القلق البرلماني.
في كل هذه الدول تيسّر لها قائد حكيم، يدرك كيف يحسم الأمور، ويمنع الفوضى، وكذلك يعمل على الإصلاح، تماماً كما فعل شارل ديغول في أواخر خمسينيات القرن الماضي، حين عدّل الدستور، ووضع الدولة على السكة الصحيحة.
في المقابل، فإن هناك دولاً انصاعت لقوى الأمر الواقع، ولم يدرك قادتها أنهم ينحرون بلادهم، كما حصل في لبنان والعراق واليمن، فإذا كان الأول ورث القلق من تسويات بنيت على مصالح الأحزاب، فإن انسياق اليمنيين والعراقيين لما سمي "الربيع العربي" قد أهلك المؤسسات والشعب.
في هذا الشأن، أيضاً هناك دولة مجاورة مرت لسنوات عدة بهذه الفوضى، إلى أن جاء رجل حكيم، وقيادة شابة عملت على معالجة مكمن الداء، وليس أعراضه فقط، وحسمت الأمور خلال أشهر، واليوم باتت، كما أطلقنا عليها في مناسبة سابقة، أيقونة في الإصلاح والتطور والانفتاح، وهي المملكة العربية السعودية.
هذان النموذجان يمكن قراءتهما في حال تُركت الأمور على نحو ما كان يجري في الكويت من فوضى برلمانية، وفرض إرادات نيابية على الحكومات المتعاقبة منذ العام 1992، لأنه كانت هناك تسويات تقوم على مراعاة خاطر النواب، والمتنفذين، وبعض الشيوخ من أبناء الأسرة، سمحت بالتعدي على صلاحيات الوزراء، من دون اعتبار لمهمة كل منهم.
هذا الوضع تسبّب في خراب مؤسساتي، وكذلك استشراء الفساد، وتعيينات معتمدة على مصالح ضيقة، إلى حدّ اللعب بملفات حساسة، كالطائفية والقبلية، والعائلية، التي هددت النسيج الاجتماعي للبلاد، أيضاً أثر ذلك في العلاقات مع دول عربية عدة، إلى حدّ كان ينظر إلى الكويت على أنها داء لا يمكن الفكاك منه.
كل هذا كان تحت نظر أمير الشجاعة والحكمة، الذي ما أن وصل إلى سُدة الحكم حتى بدأ بعمليات جراحية دقيقة، فعمل على تعليق بعض مواد الدستور، التي كان محرماً مجرد الحديث عنها، وحل مجلس الأمة الذي كان سبب الصداع للشعب، قبل الحكومة، وبدأ بمعالجة أسباب مصدر الخراب، خصوصاً الضرب بيد من حديد للفاسدين، والدولة العميقة.
كل هذا ما كان ليحدث لولا الرؤية التي عمل من خلالها صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، المدرك أن الإصلاح يبدأ من الجذور، إذ لا شفاء من المرض إذا استمر استخدام المسكنات، لهذا أتت الإجراءات الشجاعة، محل تفاعل من الكويتيين، وحتى دول الإقليم التي تنظر إلى الكويت على أنها مؤثرة في مجتمعاتها، وسلوكها السياسي.
وفقاً لهذا الواقع، على مجلس الوزراء الحالي أن يعمل ليل نهار كي يحقق رؤية صاحب السمو الأمير، وأن يسرع في الإنجازات، فالزمن لا يرحم، والأوضاع الإقليمية والدولية ضاغطة بشكل لا يسمح بترف التلهي بأمور جانبية، فقد أضاعت الفوضى نحو 50 عاماً من عمر دولتنا الفتية.