التركة ثقيلة، وتتطلب جهداً كبيراً للإصلاح، لكن الشرط أن يقترن ذلك بالوعي في ما يتعلق بمصلحة البلاد وما تريده، وتحقيق رؤية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، بخصوص إعادة الكويت "درة الخليج".
على هذا الأساس، لا يمكن أن تعود السيرة الأولى للوزراء، لا سيما في المصالح التي تخدم المستقبل، فإذا كانت هناك عراقيل سابقاً، وأهمها الزحف على صلاحيات الحكومة من النواب، فالأمر بات مختلفاً، وعلى الوزير، أياً كان، العمل بهمّة ونشاط، وإلغاء القرارات المضرة بالاقتصاد الوطني، وكذلك سعي مجلس الوزراء إلى تعديل القوانين التي خنقت الكويت، وتسبّبت في تراجع الناتج الوطني.
في السابق، كان صوت النائب يرهب الوزير، بل يرعب مجلس الوزراء مجتمعاً، ولهذا سادت عادات إدارية شجعت على الفساد، نابعة من الحسد، والأنانية والبخل، خصوصا في بعض الوزارات المعول عليها أن تعمل من أجل إدارة الاقتصاد الوطني بكل حرفية وعملية، وليس الارتجال.
فحين أخذ صاحب السمو على عاتقه عملية الإنقاذ، كان يدرك الحساسيات كافة، والألغام التي وضعها أعضاء الدولة العميقة، والمتنفذون، وبعض قصار النظر غير المدركين أهمية الاستقرار الاقتصادي للطمأنينة الاجتماعية وفائدته على قوة وحصانة البلاد، ولهذا بدأ سموه تلك العملية العظيمة، لأن سموه يرى بعين الحكمة أن قوة الكويت الحقيقية في دولة مؤسسات فاعلة، يعرف كل واحد فيها مسؤوليته وواجباته، ولا يتعدى على صلاحيات الآخر.
على هذا الأساس، لا بد من النظر في الحال المؤسفة التي وصلت إليها البلاد جراء قرارات متخلفة، ومنها بعض القوانين وقرارات وزارة التجارة، وكذلك المالية، وأهمها قانون الـ"b.o.t" الذي لا بد من نسفه، إذ لا يعقل أن تكون الكويت مخالفة لكل المعمول فيه عالمياً، خصوصاً المدد الواردة في هذا القانون، فهل يعقل أن يفرض على المستثمر أن يبني ويعمل وبعدها يترك المنشأة بعد 10 أو 15 سنة، أو يطلب منه ترك شقاء عمره، ويطرح المشروع في مناقصة، ويُستبعد منها رغم حق الشفعة؟!
تعزيز الناتج الوطني يبدأ من تسهيل الأعمال، والمرونة، وفي هذا الصدد يضاف إلى التجارة، المالية والداخلية، وبقية الوزارات، التي عليها تطوير القوانين بما يخدم البلاد، وعدم العودة إلى الفوضى الموروثة من العهود السابقة.
لقد كان سمو الأمير حازماً مع الوزراء، حين قال: "المرحلة جادة، وسأحاسب المقصر، فالشعب ينشد إنجازات فعلية، ونريد عطاءً لا محدوداً وسأتابع تنفيذ أعمالكم"، وهذا التوجيه لم يأت إلا من خلال قراءة معمقة للوضع الذي آلت إليه البلاد من خلال الممارسات الخاطئة التي استمرت نحو ثلاثة عقود.
اليوم، مجلس الوزراء أمام مهمة شاقة، ورغم أن وزير التجارة والصناعة خليفة العجيل مشهود له بالنشاط والأمانة، إلا أن عليه مهمات صعبة جداً، أهمها أن يعمل مع زميلته وزيرة المالية والشؤون الاقتصادية والاستثمار نورة الفصام، على تعزيز الاستثمار المحلي، وكذلك جذب المتمولين من الخارج، وأن يتخلصا من الإرث الفاسد الذي تركته الممارسات السابقة، إذ كما قلنا في مرات سابقة، إن الأرض ليست لها أي قيمة إذا لم تكن منتجة، وهذا لا يتحقق إلا بالمنشآت المقامة عليها، والعاملين فيها، والمنتج الذي يصنعه المصنع الموجود عليها.
في هذا المجال، ثمة الكثير من العراقيل الواجب إزالتها، أهمها نظام "التشييد والتشغيل ونقل الملكية" ووضع قانون جديد عصري بدلاً منه، والتخلص كذلك من حصرية المنتجات، فإذا أراد صاحب المصنع إضافة منتج آخر، فهذا يعزز الدورة الاقتصادية، لأنه سيباع في البلاد، وربما يُصدّر إلى الخارج، فكلا الأمرين تستفيد الكويت منهما، لأنها تخفض الفاتورة الكبيرة للاستيراد من جهة، وأخرى تدر أموالاً أكثر من خلال الرسوم التي تُجبى من التصدير، والضريبة المقبلة.