لنتحدث بواقعية، نحن نعرف المسار الذي مرّت به البلاد منذ نحو 60 عاماً، حتى مساء يوم الجمعة العاشر من مايو الماضي، حين أخذنا بالديمقراطية المسخ غير ما هو سائد في العالم، وكيف كان الشأن العام، وعلى ماذا بنيت العلاقات السياسية الداخلية، وأثرت سلباً في الاقتصاد والمجتمع؟
السؤال الواجب الإجابة عنه، وبهدوء: هل كانت لدينا ديمقراطية حقيقية، أم أننا عشنا تلك الفترة بأشبه سيرك سياسي؟
أولاً، لن نُذكّر بالأسباب الدافعة إلى اختيار هذه الديمقراطية، ولا التهديد بغزونا واحتلال بلادنا، وغيرها الكثير من المشكلات التي أثيرت عشية إعلان استقلال الكويت، ولا نبالغ إذا قلنا إن هناك مجلسي أمة، أو ثلاثة ساروا وفق القواعد المعمول بها بكل ديمقراطيات العالم المتحضّر، أما البقية فقد أسست لمسخ ديمقراطي، أو نوع هجين لم تألفه الدول كافة، حتى تلك المعتمدة على النظام البرلماني.
ساد طوال تلك العقود الصراع على المنافع الشخصية، وتمأسس الفساد عبر قوانين وقرارات، أقل ما يقال فيها إنها فُصّلت على مقاس أصحاب المصالح، حتى الانتخابات كانت تُدار وفق قاعدة "شنو راح تقدم لنا"، وليس وفق الأسس البرلمانية (التشريع والرقابة، وحماية الدولة والمجتمع)، ولهذا كنا نرى وزراء يستقيلون من على منصة الاستجواب، أو إذا تخلى عنهم مجلس الوزراء الذي كان يحاول حفظ رأس رئيسه، أو إذا لوّح لهم بعض النواب بطرح الثقة فيهم.
كان مجلس الأمة الحاكم بأمره، فأي قانون لا يوافق عليه الأمير، يفرضه فرضاً، وكذلك أي تشريع يرغب في إقراره يُرفض، وكلنا نتذكر رفض البرلمان قانون منح المرأة حقوقها السياسية عام 2005.
هذه الممارسات الشاذة حاول النواب ترسيخها عبر الضغط المستمر على الحكومات، والوزراء، وشلّ البلاد أكثر من مرة، ورغم ذلك كانوا يفاخرون بهذا الخراب، لأنه يساعدهم في إحكام سيطرتهم على مؤسسات الدولة، بل وصل الأمر بهم إلى طرح مشروع قانون بعدم انتقادهم، أو انتقاد مجلس الأمة، أو المطالبة بتعديل الدستور، لأنهم مارسوا ديمقراطية "كل مين إيدو إلو"، و"شيّلني وأشيلك".
في هكذا وضع، لا يمكن لأي حكومة العمل، ولا لوزير ممارسة مهمته، ولهذا استنكف كل من يحافظ على كرامته عن تسلم أي منصب وزاري، وعلى هذا الأساس رأينا من يتولى المنصب، المتردية والنطيحة، وأصحاب المصالح الذين خرج بعضهم من الوزارة إلى السجن، أو هرب من البلاد، أو يحاكم حالياً.
هذا الأمر كان محل اعتراض غالبية الكويتيين، وحين بدأت الأصوات تتعالى مطالبة بإصلاح الخلل في الدستور، ومع حمى ما سمي "الربيع العربي"، رأى الجميع تظاهرات ما زعم أنه "كرامة وطن" (الأولى والثانية)، وتحولت ساحة الإرادة مخيماً دائماً لمناصرة أصحاب المصالح المشبوهة، لأن الفائدة من ذلك التعيينات الفاسدة، والمناقصات غير الواقعية، وإعلاء صوت الطائفة والقبيلة.
لا شك أن كل هذا أضعف مؤسسات الدولة، وجعلنا إلى حد ما مكشوفين خارجياً، خصوصا أن هناك من حاول استغلال الوضع من أجل تنفيذ أجندة خارجية مشبوهة، كادت معها تضيع البلاد، كما أن تلك الفوضى وصلت إلى المسّ بقادة الدول الخليجية، وشعوبها، وكأن بعض النواب، والتيارات السياسية في الكويت، أصبحت وصية على تلك الدول!
في كل هذا، للأسف، كانت الحجة "حرية التعبير والرأي" بينما هي في الواقع بذاءة وشتم، ومحاولات زعزعة الأمن الوطني والقومي، وجلب العداوات للكويت، علماً أن الرؤساء والأمراء والملوك ذاتهم مصونة، في كل الدساتير، والاتفاقات الدولية.
كل شريف يتألم على ما وصلت إليه البلاد حينها، وكان صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، قد عاصر كل تلك الممارسات، قبل تسلمه سدة الإمارة، لكنه كان يطيع أولي الأمر، حتى لو كانت له ملاحظات على ذلك، ومبكراً أدرك عيوب الدستور، وما تسبّبت به قوانين التمصلح، لهذا عندما تولى الحكم، عمل فوراً على عملية الإنقاذ الدقيقة، فكانت الساعة التاسعة من مساء يوم الجمعة، العاشر من مايو، ساعة الحسم بين الماضي الكئيب والفوضى، وبدء العلاج.
لهذا، نكرر أن الخلاص من كل ذلك يتطلب مجلس وزراء قادراً، يعمل على تنفيذ خطة صاحب السمو الأمير التي وضع خطوطها العامة في بيان الإنقاذ، فسموه يراقب، وهو حازم في قراره، فمن ثار على ديمقراطية التمصلح وحرية البذاءة، لن يسمح بأي تقاعس أو إهمال، فهذا هو إحساسنا، فالكويت أمامها الكثير من العمل بعد توقف التشاحن وحرية البذاءة.