تباينت آراء الفقه، وأحكام القضاء في تحديد دقيق ومنضبط، للموظف العام. فذهبت محكمة التمييز إلى تعريفها للموظف العام "هو كل من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة، أو أحد أشخاص القانون العام"(الطعن رقم 43/ 2000 عمالي جلسة 27 / 11 / 2000، والطعن رقم 56 / 92 جلسة 8 /3 /1993 3/8 سنة).
في حين عرفه قانون الخدمة المدنية (15 / 1979) "كل من يشغل وظيفة مدنية من وظائف الجهات الحكومية، أياً كانت طبيعة عمله أو مسمى وظيفته"، فيخرج عن هذا التعريف العسكريون والشرطة والحرس الوطني.
وقد عرّف قانون الخدمة المدنية الوظيفة العامة بالمادة 11 أنها خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة"، وهو ترديد للمادة 26 من الدستور.
وتذهب محكمة التمييز إلى أن علاقة الموظف بالدولة أو الإدارة هي تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، فيعد الموظف في مركز تنظمي ولائحي، وليس مركزاً تعاقدياً (طعن تمييز 517 / 1997 تجاري جلسة 4 /5 / 1998). وتنص المادة 32 من قانون الخدمة المدنية في بيان أسباب انتهاء الخدمة ببلوغ سن 65 للكويتي، و60 لغير الكويتي، كقاعدة عامة، وتستثنى من ذلك بعض الحالات، كأئمة المساجد والأطباء وأساتذة الجامعات والقضاة، والنيابة العامة والفتوى والتشريع، إذ جعلت سن الإحالة للتقاعد لائمة المساجد والأطباء وأساتذة الجامعات والمعاهد 75 سنة، فيما جعلته 70 عاماً للقضاة والنيابة العامة والفتوى والتشريع.
ويلاحظ على هذه المادة أنها عددت حالات انتهاء خدمة الموظف العام على سبيل الحصر، وغاية المشرع حين حدد سناً معينة لانتهاء الخدمة فهو أمر مقصود، ولحكمة معينة رأها المشرع، باعتبارين الأصل فيها أنها خدمة مستمرة، بخلاف علاقة العامل برب العمل! وذلك حتى لا يتضرر الموظف من إحالته للتقاعد، وانقطاع عمله، وهو لا يزال لديه قدرة على العطاء والخبرة، فضلاً عما قد يعانيه من نقص في معاشه التقاعدي، فيما لو احيل قبل هذه السن التي قررتها المادة 32 بند 3.
وبالبناء على هذا الأصل، فإن المادة 76 من مرسوم نظام الخدمة المدنية قد خالفت المادة 32 البند الثالث، التي جاءت مطلقة دون قيد، كسبب من أسباب انتهاء الخدمة.
ومنها الإحالة للتقاعد بسبب بلوغ السن المقررة. ويستفاد من ذلك، أن المرسوم بنظام الخدمة أخطأ، وتزّيد عند تفسيره البند الثالث من المادة 32، كسبب من أسباب انتهاء خدمة الموظف، ولم ينتبه إلى الطبيعة القانونية التي تربط الموظف بالجهة الحكومية.
فالأصل العام أن تستمر خدمة الموظف الحكومي حتى بلوغ السن القانونية، وهي مقررة بالقانون، وبالتالي لايجوز لأداة أدنى أن تعطي الحق بانهاء الخدمة قبل أوانها، ولذلك يرى بعض الفقه أن قرار إحالة الموظف إلى التقاعد وفقا للمادة 76 من نظام الخدمة المدنية لا يعدو أن يكون في جوهره قراراً بالفصل بغير الطريق التأديبي. (دكتور ماجد الحلو - القانون الإداري الكويتي وقانون الخدمة المدنية). وقد كان الفصل بغير الطريق التأديبي موجوداً في المادة 32 البند الخامس، والغي بالقانون رقم 12 لسنة 1995.
ولا ينبغي لمرسوم نظام الخدمة المدنية أن يُجيز لجهة الإدارة الإحالة للتقاعد بصورة مطلقة، كما تشاء ودون أساس قانوني، ودون بيان أسباب هذه الإحالة! والأصل أن الإحالة للتقاعد يجب ألا تطلب بخلاف الاستقالة.
وقد قررت محكمة الاستئناف العليا في القضية رقم 13/ 91 مدني إداري بتاريخ 13/ 2 / 1992، وأيدتها في ذلك محكمة التمييز، وأن قرينة السلامة التي يتمتع بها القرار الإداري وافتراض قيامه على سبب صحيح هي قرينة قابلة لاثبات العكس بمعنى أنه تبقى قائمة ما لم يستطع من يدعي عدم مشروعية القرار زحزحة هذه القرينة بما يقدمه من أدلة أو قرائن في إثبات عدم المشروعية، بما يزعزع ثقتها في قرينة السلامة المفترضة في القرار بما يقدمه من أدلة، أو قرائن وإن لم تكن حاسمة في إثبات عدم المشروعية ورجحان عدم مشروعية الأسباب التي بني عليها القرار، وعندئذ يكون للمحكمة أن تطلب من جهة الإدارة بيان المبررات التي بني عليها القرار المطعون فيه - قرار الإحالة على التقاعد - فإذا ما التزمت الصمت أو المراوغة.
يبين أن القرار المطعون فيه لا يمت للمصلحة العامة بصلة، لإن الصالح العام ليس في ذاته سبب القرار الإداري، إنما الغاية من إصداره، والسبب والغاية كلاهما لازم لانعقاد القرار الإداري وسلامته.
وتضيف المحكمة: ثم إن فكرة الصالح العام وهي فكرة فضفاضة لابد وأن تتجسد أمام رجل الإدارة وهو يتجه إلى اتخاذ قرار إداري معين، (انظر كذلك حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر في 30/ 12 / 1973، منشور في مؤلف الأستاذ الدكتور عادل الطبطبائي - الوسيط في قانون الخدمة المدنية الكويتي 1998).
ونرى أن المشرع، عليه أن يعيد النظر في المادة 76 من نظام الخدمة المدنية، والتي أُسيء تطبيقها في العديد من الحالات، خلافاً لصريح المادة 32 بند ثالثا، لمنع شطط بعض الجهات الحكومية، واتخاذها مسوغاً لازاحة من لا ترغب فيه.
والله ولي التوفيق،،
مستشار قانوني