"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْر إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 26).
تُذكرنا هذه الآية الكريمة بأن الله وحده هو مالك الملك، يمنح السلطة لمن يشاء وينزعها ممن يشاء، في دلالة عميقة على زوال المناصب وتغير الأحوال. ويجسد معنى هذه الآية الحكمة البليغة "لو دامت لغيرك لما وصلت إليك"، التي أمر الشيخ سالم المبارك، رحمه الله، بنقشها على بوابة قصر السيف في الكويت، لتكون تذكرة لكل من يعبر من تحتها بأن المنصب تكليف موقت، وأن ما يبقى من المسؤولية هو الأثر الطيب، والعمل الصالح.
وقد حرص صاحب السمو أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله، على وضع هذه العبارة داخل مكتبه، لتكون رسالة واضحة ومباشرة لكل من يجتمع به من المسؤولين وكبار الشخصيات.
في ذلك تذكير أن الأمانة عظيمة، وأن كل منصب هو اختبار للإخلاص والعدالة، وأن المسؤولية تتطلب العمل بصدق وتفانٍ لخدمة الوطن والمواطنين، بعيداً عن المصالح الشخصية.
يرسخ سموه بذلك هذا المبدأ في نفوس من يدخل مكتبه، مؤكداً أن المكانة زائلة، وأن الدوام لله وحده.
كم من مسؤولين وشخصيات مروا تحت تلك البوابة التاريخية، أو دخلوا مكتب سمو الأمير من دون أن يدركوا مغزى تلك العبارة، فتاهوا في استغلال مناصبهم للمصالح الشخصية، غافلين أن ما يخلّد الإنسان ليس السلطة، بل الأثر الذي يتركه في حياة الناس.
وقد رأينا في حياتنا من تجاوزوا الأمانة، ليجدوا في النهاية أنهم لم يخلّفوا سوى عواقب وخيمة، ولحقهم الضرر هم وأسرهم.
التاريخ شاهدٌ على زوال الإمبراطوريات والممالك العظيمة، فكم حضارة، مثل الإمبراطورية الرومانية، او الفارسية، ظنت أن قوتها وسلطتها أبدية، لكنها سقطت تحت وطأة الفساد والطغيان، وتلاشت تاركة خلفها دروساً للأجيال، لتذكر الجميع أن كل سلطة مهما عظمت زائلة، وأن البقاء هو للعدل، والعمل الصالح.
وفي تراثنا الإسلامي، جاء التحذير جلياً في القرآن الكريم من خيانة الأمانة وسوء استغلال السلطة، اذ يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" (النساء: 29)، ويؤكد النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" قائلاً: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، ليبين أن المنصب تكليف، وأن التزام الأمانة واجب تجاه الله والمجتمع.
إن "لو دامت لغيرك" ليست مجرد عبارة، بل هي درسٌ خالد، يدعو إلى التأمل والتواضع، ويذكرنا أن الغنى الحقيقي هو غنى النفس، وأن الإرث الذي يبقى هو الأثر الطيب في نفوس الناس.
فالتاريخ يخلّد العمل الصالح، ويطوي صفحات الخيانة في طي النسيان، وعند لقاء الله، لن يكون المال أو المنصب ذا قيمة، بل ما قدمه الإنسان من خير لخدمة الناس والمجتمع.
حفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه، وأبقاها منارةً للعدل والإصلاح تحت قيادة سمو الأمير الحكيم.
كاتب كويتي