حديث الأفق
- سافر أربعة شباب إلى سيلان وتقطَّعت بهم السُّبل
- بعد عمل لبضعة أشهر جمع ثمن تذاكر العودة
- الكويتي الحر اقترح أن يُباع كي ينقذ رفاقه
- التاجر: منذ أول يوم عرفت أنه ليس عبداً
الأحوال تتغير، والناس كذلك، لكن ثمة خصالاً في الناس لا يمكن تغييرها، لأن هؤلاء جُبلوا على الوفاء.
قبل اكتشاف النفط، كانت الكويت كغيرها من الدول المحدودة الموارد تستعين بما تيسر من أجل العيش، والحصول على ما يفي بمتطلبات الحياة.
لهذا، كان الكثير من الكويتيين يعملون في الزراعة أو الغوص، والبحر عموماً، ومنهم من يعمل في جلب الماء والبضائع من العراق والدول المجاورة، فيما البعض الآخر اختار الهجرة إلى بلاد الله الواسعة كي يحصل على لقمة عيش حلال.
في الأسطر التالية، قصة عن المعاناة التي كان يكابدها الكويتيون، خصوصاً المهاجرين منهم، وهي نقلاً عما كتبه عبدالعزيز العويد بتصرف:
في مطلع القرن العشرين، سافر أربعة شباب كويتيين إلى نواحي سيلان للبحث عن عمل، فلما وصلوا، فوجئوا بمنع الحكومة البريطانية العمل للأجانب، وتشدُّدها في ذلك، عندها لم يعرفوا ماذا يفعلون، وهم لا يملكون قوت يومهم، فضلاً عن عدم وجود المال معهم للعودة إلى بلادهم، لأنها كانت خيارهم الوحيد.
فاقترح أحدهم، ويدعى محمد المَسحَمي العازمي، أن يُباع في سوق العبيد على أنه عبد، ويعيشون بالثمن الذين يحصلون عليه لقاء ذلك، وكذلك أن يجمع لهم من مرتباته ما يمكّنهم من شراء تذاكر العودة، وكانت عبر السفن.
رفض أصحابه بطبيعة الحال هذا الاقتراح، لكنه أصرّ، ومع إصراره قبلوا، إذ لا يوجد لديهم خيار آخر.
فعُرض هذا الكويتي الحر للبيع في سوق العبيد، واشتراه تاجر سيلاني، وذهب معه إلى البيت، وبعد عمل لبضعة أشهر جمع فيها ثمن تذاكر العودة له ولرفاقه، وبالاتفاق مع أصحابه، هرب من التاجر السيلاني، ووصلوا إلى الكويت.
علم الشيخ مبارك الصباح، رحمه الله، بقصتهم، فطلب محمد المَسحَمي العازمي، فلما جاءه وقصّ عليه القصة، قال له: "أنت سنافي... قواك الله"، فلقب بـ"السنافي"، وهو لقب ذريته بعد ذلك إلى يومنا هذا.
و"السنافي" في لهجة أهل الخليج، الشهم، الكريم، صاحب المروءة.
بعدها أرسل أهل محمد المَسحَمي العازمي رسالة اعتذار إلى التاجر السيلاني، ومعها المبلغ الذي دفعه ثمناً له، ورواتب المدة التي عمل فيها لديه ولدهم، فرد عليهم برسالة شاكراً لهم أمانتهم وشهامة ابنهم، ومعها المبلغ، وقال: "هي أجرة عمله، إذ إنني منذ أول يوم عرفته أدركت أنه ليس عبداً، فلا طبيعة عمله، ولا كلامه، ولا أكله يدل على ذلك، ولهذا عندما هرب لم أبحث عنه"!
هذه قصة جميلة تروى وفيها عبر جليلة، منها:
• الدنيا دول، فأبناء محمد المَسحَمي العازمي، رحمه الله، اليوم يعيشون، بحمد الله، في بحبوحة من العيش، وأبناء التاجر السيلاني لعلهم اليوم يعملون عمالاً في الكويت، أو إحدى دول الخليج.
• ضرورة تذكُّر نعم الله علينا في الخليج، فنحن نعيش، بفضل الله، عيشة الملوك، وخير، وأمن وأمان، وترابط أسري، وليس هناك مغترب فينا كُرهاً، فاحمدوا الله على هذه النعم، وتذكّروا غيركم ممن حُرم منها، ويتمنى بعضها، بل وتذكّروا آباءكم ممن اغتربوا، وماتوا في غربتهم من أجل لقمة العيش.
• شهامة محمد المَسحَمي العازمي، والعوازم قبيلة كريمة، من عرفها لم يستغرب شهامة أحد أبنائها، أهل ديانة، وكرم، وفزعة مع أبناء قبيلتهم وغيرهم، وهنيئاً لمن كان جاره عازمياً.
• مروءة ونُبل التاجر السيلاني، رحمه الله، فعمله لا يقل شهامة عن عمل العازمي.
نكشات
- قال المفكر الأميركي نعوم تشومسكي: لا يوجد شيء اسمه بلد فقير، بل يوجد نظام فاشل في إدارة البلد.
- إذا أردت غزو شعب ما اصنع له عدواً وهمياً، كي يبدو له أخطر منك، ثم كن له المنقذ... هكذا عاش العالم العربي مع بعض أوغاد السلطة والتحكم.
- المهم في أن نعيش استقراراً وزارياً، فنحن نريد وزراء "معتقين" في مناصبهم، ويكون اختيارهم على أعلى المستويات، فعند ذلك نطمئن إلى أن المسار جيد، وأن الماضي المزعج لن يعود.
- نعود ونقول: إن التشفي بالبشر ليس من شيمة الرجال، ولا من الأخلاق العالية... ودع الخلق للخالق.
- قوانين كبيرة تهم غالبية الناس يجب دراستها من خلال عقول تعرف من أين تؤكل الكتف.
- "تطوير منظومة التعليم في الكويت أولوية وطنية"... هذا ما قالته الخبيرة الاقتصادية شيخة البحر، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، فالتعليم في الدول الواعية هو الوطنية، هو خلق الأجيال، وهو الذي يجري الإنفاق عليه بكرم زائد.
المدرس في الكويت، وبعض الدول العربية، أو كلها، كأنه "شحات"، لذا اهتموا بالمدرس كي يهتم بصناعة الأجيال.