جميع شعوب الخليج تحب لبنان، فهو كان واحة لها، ومثال التقدم والتطور، إلا أن استهتار زعماء الأحزاب والحركات، وأمراء الطوائف، جعلته كما قال وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ في الثمانينيات كـ"أنه مصاب بالطاعون".
رغم ذلك، استمرت دول الخليج في دعم هذا البلد، على أمل أن يتعافى، ويتعلم أمراء الحرب من الدروس السابقة، لذلك عملت على إعمار ما تهدّم في الغزو الاسرائيلي عام 1978، وكذلك فعلت في الاجتياح عام 1982، ولم تبخل عليه أبداً، وفي عام 2006 أنفقت الكثير على إعادة الإعمار، والجميع رأى لافتات الشكر لكل دول الخليج، وشاهد جولة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة في أرجاء جنوب لبنان فور انتهاء الحرب.
لم تفعل دول "مجلس التعاون" كل ذلك طمعاً في مصالح ما، كما فعلت غيرها من الدول، إنما إيماناً منها بأن تعافي أي بلد عربي هو مصلحة قومية لكل العرب، ومنها بالطبع دول الخليج.
هنا علينا أن نتوقف قليلاً من الوقت، لنرى هل أُنفقت الأموال كلها على الإعمار، أم أنها كانت تذهب إلى حسابات ملوك المال اللبناني، ولا يذهب إلا الفتات على الإعمار؟
قبل ذلك، علينا التوقف عند ما تسرّب من التحقيقات مع حاكم مصرف لبنان المركزي السابق رياض سلامة، الصندوق الأسود للمالية اللبنانية طوال ثلاثين عاماً، فقد قال الرجل إن معظم مساعدات دول الخليج العربية التي كانت تأتي إلى لبنان توضع في المصرف المركزي، ومن ثم يبدأ تحويلها إلى حسابات زعماء الأحزاب والطوائف، الذين يحولونها بدورهم إلى حساباتهم في الخارج، أكان في سويسرا أو فرنسا، أو الولايات المتحدة.
وإذا ربطنا كلام سلامة بكلام بعض الزعماء اللبنانيين من أن كلفة إعادة الإعمار في الحرب الحالية تتكلف نحو 45 مليار دولار، فإننا ندرك أن "بوقة" كبيرة بدأ يرسمها أولئك، الذين أثروا جميعاً من المساعدات الخليجية والعربية، وهؤلاء بنوا قصوراً في معظم دول العالم، فيما استخدم بعض المال في عمليات إرهابية ضد دول الخليج، أي كما يقول المثل العربي "شرب من البئر ورمى فيها حجارة".
منذ العام 1977، عملت دول الخليج على مساعدة لبنان، لكن لا أحد من اللبنانيين أنفسهم، وهنا أقصد القادة والزعماء، كان همّه بلده، إنما الحصول على أكبر قدر من المساعدات كي يزيد ثروته، في الداخل والخارج.
تأكيداً لهذا، فقد نشر في السنوات الأخيرة الماضية أن الزعماء اللبنانيين حولوا إلى الخارج نحو 380 مليار دولار، فيما لبنان ليس لديه أي موارد طبيعية تسمح لهؤلاء ببناء تلك الثروات منذ العام 1992 حتى العام 2019، وفقاً لما قاله سلامة نفسه.
اليوم ثمة من يزعم من المسؤولين اللبنانيين أن على دول الخليج إعادة إعمار ما تهدم، وأن جولات لقادته فور انتهاء الحرب ستنظم إلى دول الخليج لهذا السبب!
هنا نقول، وبعيدا عن العاطفة نحو لبنان وشعبه، وكما يقول المثل اللبناني الشعبي "بحبك يا إسوارتي لكن مش قد إيدي"، بمعنى آخر ليست دول الخليج البقرة الحلوب للقادة اللبنانيين، وبالتالي عليها ألا تدفع لهم فلساً واحداً، كي لا تذهب تلك الأموال إلى جيوب زعماء الأحزاب والميليشيات، ولا تستخدم في الإرهاب ضدها.
على اللبنانيين إذا أرادوا إعمار ما تهدم أن يكون ذلك بإشراف خليجي بحت، وأن تكون هذه آخر الحروب، أي لا يبقى لبنان صندوق بريد إيرانيا أو غيره لإيصال رسائل نارية إلى أي طرف، وإلا "ليقلعوا شوكهم بأيديهم".