في الفلسفة السياسية ثمّة مصطلح قليلاً ما يُستخدم في العالم، وهو "الديكتاتورية الخيرة"، التي يعمل فيها الحاكم لمصلحة شعبه كافة، وليس لمصالحه الخاصة، أو الفئوية، أو لخدمة جزء من الناس، وبفعل هذه الأنظمة تطورت دول، وتغيرت أوضاعها كثيراً.
ففي إسبانيا، وبعد حرب أهلية طويلة، استطاع الجنرال فرانكو، أن يعمل طوال سنوات على بناء دولة قادرة، وناهضة اقتصادياً، مقاوماً الفوضى السياسية، والمطالبات الانفصالية، وكذلك الأمر في الصين التي استطاع مؤسس الدولة الحديثة ماو تسي تونغ أن يعمل على توحيدها، فيما عاشت طوال عقود من الفوضى، والإدمان على "الأفيون"، الذي رسخته القوى الاستعمارية، طوال قرنين من الزمن.
إلا أن هذا الأمر حُورب بشدة من الحكم الجديد، وعمل ماو بكل جهده للقضاء على المجاعات التي كانت تشهدها بلاده، فيما استكمل القادة الذين جاؤوا بعده السير على الطريق ذاته، خصوصاً دينغ شياو بينغ باني النهضة الحديثة، الذي حوّل بلاده قوة اقتصادية عظمى.
على هذا المنوال، سار لي كوان يو، الذي حكم سنغافورة، تلك الجزيرة الفقيرة، المليئة بالغابات، والفقر، والطقس غير الجيد، والإدمان على المخدرات، لذا عندما جاء إلى رئاسة الحكومة عمل على تغيير هذا الواقع من خلال خطوات عدة متوازية، لأن الزمن، وفقاً لرؤيته، لا يرحم، وأن الأمية والجهل يرسخان الفقر، وبالتالي المشكلات الاجتماعية، لهذا شدّد على الحداثة، والتقدم على أساس التعددية العرقية، وأسس هيئة التنمية الاقتصادية، التي عُنيت بتنويع الدخل القومي للجمهورية، فأصبحت أعظم بلد مالي في جنوب شرق آسيا، فيما كان ابنه، الذي اختاره الشعب كي يخلف والده، في المستوى نفسه من الحنكة.
بينما في إندونيسيا، لم يكن أحمد سوكارنو، أول رئيس للدولة، يختلف عن أولئك الحكام الذين مرّ ذكرهم، فهو تسلم دولة فقيرة تضم نحو 17.500 جزيرة، وفيها كثافة سكانية كبيرة، وعانت الكثير من الأزمات، بفعل ما تركه الاستعمار فيها من تناقضات، لكنه عمل بجهد كي يحقق أعظم قوة اقتصادية وتعليمية فيها، واستكمل خليفته سوهارتو المسار التطوري، الذي حوّل بلده نمراً اقتصادياً له وزنه عالميا.
هذه النماذج أسّس بعضها دولاً قوية قادرة على مواجهة الصعاب، ومستقرة، وهي ليست غريبة في المجتمعات السياسية التي تعمل من أجل الريادة، فيما الدول الأخرى التي تركن إلى نمط محدد من الحكم، من دون تغيير، إما تتآكل من الداخل جراء الأزمات التي تنشأ من عدم التجديد، أو تغرق في الفساد والفوضى، وبالتالي تحتاج إلى عمليات جراحية مؤلمة للتخلص من الآفات الطفيلية التي نمت في مستنقعات تغليب لعبة المصالح الذاتية والأنانية، والاستحواذ بالزعم المشوه للدستور والقانون.
على هذا الأساس، كانت الكويت عند الساعة التاسعة من مساء العاشر من مايو الماضي على موعد بين فوضى سياسية سادت طوال نحو خمسة عقود، واستفحلت بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، وبين بدء العلاج.
فالتهديد الكبير الذي كانت تمثله تلك الفوضى على نواحي الحياة أشبه بمستنقع تكثر فيه مسببات الأمراض، بدءاً من الفساد الإداري وعدم الإنتاج، ما جعل المؤسسات تتحول أشبه بديوانيات، وليست مراكز عمل لمصلحة العباد والوطن، مروراً باستحواذ قلة على المشاريع كافة في البلاد، وبكلفة عالية جداً، فيما كانت تعاني من سوء تنفيذ واضح، وتأخير متعمّد، وصولاً إلى اللعب بالهوية الوطنية، والتجنيس الذي بدأت تظهر كوارثه بوضوح في الآونة الأخيرة، لأن هناك بعض النواب عملوا على التكسُّب الانتخابي بمصائر الناس، فيما وزراء خافوا من الاستجوابات فنفذوا طلباتهم.
في مساء يوم الجمعة العاشر من مايو الماضي، خرج أشجع الرجال، صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد، ليوقف كل تلك الفوضى، ويعيد، ومنذ اللحظات الأولى، لذلك النطق السامي المبارك، إلى الكويت قوتها، ويضعها على سكة الريادة مرة أخرى، كما كانت في الماضي الذي لا تزال تتحدث عنه شعوب الإقليم.
طبعاً هذا المسار له مؤيدوه، كما له خصومه الذين تعطلت مصالحهم، وأوقف تدخلهم في مؤسسات الدولة، إلا أن الواضح لغالبية الشعب الكويتي، أن ما جرى صباح السبت الحادي عشر من مايو أن الجميع تنفس الصعداء، حتى السير في شوارع البلاد انتظم.
اليوم وبعد ما يزيد على ستة أشهر، فإن ما أعلن من إنجازات تحققت تدل على أن الدولة بدأت تتعافى، وهي في المسار الصحيح لاستعادة الريادة، ودورها التاريخي الذي كانت تؤديه طوال عقود.
صحيح أن الثمار لا تنضج بين ليلة وضحاها، ولا بد من وقت كي تظهر فوائدها، لكن من يعرف صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، وكل من زاره وتحدث معه، يدرك أنه لن يظلم أحداً، ولا يقبل بظلم أحد، فسموه أقسم على ذلك ويده على كتاب ربه، وبعد توقف الضجيج القبيح، عرف الجميع أن ساعة الجد والعمل أزفت، وأن "الخير بقبال".