شفافيات
حين أكتب عن تفسير القرآن الكريم فأنا لا أعيش منعزلا مع تاريخ واحداث قديمة مضت؛ فليس القرآن الكريم كتاب تاريخ، ولا هو قصة في قرية ومدينة، وحضارة سادت ثم بادت؛ فمن أملى علينا هذا الفكر الخاطئ ليوهمنا اننا حين نعيش مع القرآن الكريم قراءة وفهما وتفسيرا، فاننا نعيش الماضي، وننسلخ عن الحياة التي تموج بالحيوية والحركة والاحداث حولنا.
فالذي افهمنا هذا اراد لنا نتصور ان القرآن الكريم يجب ان يبقى على الرفوف وفي الخزائن، ليستطيع هو ان يملي علينا ما يريد من فكر وثقافة تجعلنا تحت سيطرة استعمارية، تملي علينا ان نعيش في عبودية لها.
من قال لنا، ومن املى علينا أن التربية الاسلامية في البيت، او المدرسة أو دور العبادة- وكلها في غاية الاهمية والخطورة- من قال لنا ان التربية الاسلامية هي ان تحفظ كمَّا من القرآن الكريم، لا تدري ما يأمرك وما ينهاك، ولا تدري كيف تكيف حياتك وفق تعاليمه، آنيا يوميا ومستقبلا؟
ان التربية الاسلامية واقعاً، واخص المدرسية منها، ليست تربية اسلامية بالمعنى الذي نزل به القرآن الكريم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ وسأعود بالتاريخ الى الوراء قليلاً حين هيمنت لجنة استكمال الشريعة الاسلامية، هنا، على الامر والنهي في وزارة التربية يوما، فجعلت بقرار من الوزير، وبفكر تلك اللجنة المحدود، تربوياً ودينياً جعلت القرآن "عضين" جعلته قسمين، القسم الاهم كان عندهم هو الحفظ المجرد المبهم للقرآن الكريم.
لكن القرآن الكريم لم ينزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) ليحفظ قريش وما حولها من القرى، ما نزل على محمد وكفى؛ والا لما قامت المعارك بين الكفر والاسلام؛ فلقد نزل القرآن الكريم في تلك الامة الجاهلة لينتزع جاهليتها، الفكرية والحياتية والثقافية والسياسية، من هيمنة مراكز القوى والاستعباد فيها، وليستبدلها بتعاليم الاسلام الحضارية الجديدة لتنهض بحياتها من التخلف الى النهضة، والعلمية والحضارية والقوة، ولتنتشلها من ذل العبودية بين الامم الى عزة الاسلام، ولتنقذ بها امماً سادتها عبودية البشر، وعبودية الاصنام والاوثان، الى التحرر من كل عبودية غير عبودية الله، ولتنهض بها الى احترام الخاصية التي انسنة الانسان بالعقل، والادراك، والحرية.
فهل كانت التربية الاسلامية المدرسية، وكل تربية مشابهة لها، هنا وفي العالم كافة، تلك التربية المدرسية التي فرضت على التعليم اثنتي عشرة سنة على طريقة لجنة استكمال الشريعة الاسلامية، وغيرها من الافكار الاحادية، بقادرة على انتشال الانسان من فكر الهيمنة الاستعمارية أينما كانت على عقله، وواقعه، وحياته، الى الحياة التي ارادها الله لكرامة الانسان، حين نزل القرآن على امة العرب ليسود بها بالقرآن وتعاليمه الحياة؟
قسما بالله إنها ليست التربية الاسلامية التي ارادها الله للانسان بالاسلام، حين ارسل بها جبريل الى محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ بل هي تربية فيها ضعف وخنوع، كانت امليت من وراء المكاتب التي لم تعش الحالة الاسلامية، التي ارادها الله، فالاسلام ليس ترانيم تحفظ في المدارس، او البيوت، او دور العبادة وما شابهها.
وللحديث بقية إن شاء الله.
كاتب كويتي