اتّسم الحكم العلوي للمغرب بالاستقرار منذ العام 1666، فكانت المملكة نموذجاً للانفتاح على مختلف المكونات والدول، واستطاعت مقارعة الغزوات، وكانت بذلك عنوان الوحدة بين الحكم والشعب، لهذا فإن الفرنسيين عجزوا طوال 44 عاماً عن تطويع الملك والشعب المغربيين، وطُردوا في العام 1956، وعاد الملك محمد الخامس، وشبله، آنذاك، ولي العهد الحسن الثاني إلى البلاد، بقوة الصمود الشعبي، بقيادة الملك، في وجه المستعمر.
في هذا الشأن، ثمة قصصٌ كثيرة من العلاقة بين الشعب والملك في تلك الفترة العصيبة، يحفظها المغاربة عن ظهر قلب، ويعملون بوحيها في علاقاتهم مع المخزن، الذي يرونه قلعة الانفتاح على فئات الشعب كافة، وفي الوقت نفسه البوصلة التي توجه المجتمع نحو التقدم والنهضة، وإدارة الدولة من الميدان.
أذكر أنه منذ تعرفت إلى المغفور له الملك الحسن الثاني، رحمه الله، كنت كلما أقول له "طال عمرك"، يجيب: "لا تقل طال عمرك، إنما قل بارك الله في عمرك"، وفي هذا دلالة واضحة على أن مباركة الله في أعمار القادة تكون في أعمالهم التي يؤدونها إلى شعبهم وأمتهم، ولهذا يصرخ الحجاب والحرس عند تحية مليكهم: "بارك الله في عمر سيدنا".
فهذه السلالة المنتمية إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، تؤمن أن نجاح وتقدم الشعب من صلب مهماتها الأساسية، فكيف إذا كان الملك لديه ثقافة عالية، ومنفتحاً على مجتمعات عدة، ولديه رؤية تنموية، وهنا أتحدث عن الملك الحسن الثاني، رحمه الله، الذي استطاع التغلب على المصاعب، وأدار العلاقات بحنكة كبيرة.
هذا القائد التاريخي أورث حكمه إلى ملك تدرّب على يدي والده، فالملك محمد السادس، استطاع الاستمرار على النهج الثابت الذي أرساه الملك الحسن، وتعامل مع أزمات المنطقة بالكثير من الحكمة والشجاعة، ولهذا المغرب اليوم يستثمر في الثمار المباركة التي زرع أشجارها الملوك الراحلون، وهو ما تؤكده الخطب السنوية في مناسبة عيد العرش، التي جعلها الملك محمد السادس مناسبة للمحاسبة، قبل الإنجاز.
فهذا الملك المثقف، المُطّلع على مختلف الثقافات، لديه قدرة كبيرة على مقاربة الأمور من منظور عصري، فالموقع الستراتيجي للمملكة يحتم عليها أن تكون مرنة في سياساتها، وديناميكية في التعاطي مع قضاياها الداخلية.
قل أيام، استعرض الشعب المغربي، والشعوب العربية، النموذج الجديد من الحكام المغاربة، وذلك خلال استقبال ولي العهد الأمير الحسن الثالث للرئيس الصيني شي جين بينغ، في زيارته السريعة للمغرب، وكيف كان هذا الشبل خلال المباحثات مع رئيس مخضرم، ورئيس أكبر دولة في العالم، ولقد دل ذلك على قدرات عالية، لهذا الشاب البالغ من العمر 21 عاماً، فهذا لديه بسطة في الجسم، وكذلك في الثقافة، وفيه الكثير من ملامح جده الراحل الحسن الثاني.
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على التدريب المستمر للقادة في القصر الملكي، منذ نعومة أظفارهم، وإذا وضعوا في أي مكان كانوا على قدر من الحكمة في التعاطي مع الأمور، وهذا يعكس قدرات ملوك المغرب، ويعبر عن تقاليد راسخة ملكية منذ 358 عاماً، وحكم واحدة من الدول القادرة على التطور والنهوض، فهي بوابة أفريقيا الذهبية، وصلة الوصل بين العالم العربي وأوروبا.