الأحد 27 أبريل 2025
26°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 د.كاظم بوعباس
كل الآراء

الهوية الوطنية والجنسية تأسيساً وتجنيساً

Time
الاثنين 25 نوفمبر 2024
View
23280
د.كاظم بوعباس

أولاً - جنسية التأسيس:

نصت المادة الأولى من قانون الجنسية الكويتية رقم 19/‏‏ 1959 على أن "الكويتيين أساساً هم المتوطنون في الكويت قبل سنة 1920، وكانوا محافظين على إقامتهم العادية فيها إلى يوم نشرهذا القانون، وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع.

ويعتبر الشخص محافظاً على إقامته العادية في الكويت حتى لو أقام في بلد أجنبي متى استبقى نية العودة إلى الكويت".

فجنسية التأسيس كما يراها عدد من الفقه هي جنسية وقتية لا تنطبق إلا على أفراد محددين يعتبرون مؤسسي الدولة.

وتورد المذكرة الإيضاحية لأحكام قانون الجنسية الكويتية، وكان من الضروري أن يبدأ القانون بتحديد من هم الكويتيون الذين يؤسسون الوطن للمرة الأولى، وهذه هي جنسية التأسيس، أو بعبارة أخرى الجنسية بصفة أصلية.

وغني عن البيان أن هناك فريقاً كبيراً من الكويتيين قد ولدوا بعد سنة 1920، أو في هذه السنة، فلم تتهيأ لهم الإقامة في الكويت قبل ذلك، ومن ثم احتاط القانون فجعل إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع. فاذا فُرض ان كويتياً ولد سنة 1930 لأب ولد قبل سنة 1920، وكان كل من الأب والابن متوطنين في الكويت إلى يوم نشر هذا القانون، فهي إقامة واحدة مستمرة دامت منذ سنة 1920، والابن أيضا كويتي بجنسية التأسيس لأن الابن بنشرإقامته في الكويت التي بدأت منذ 1930، تستكمل باقامة أبيه فترجع إلى ماقبل سنة 1920.

ویری جانب من الفقه، أن جنسية التأسيس هي جنسية وقتية لا تنطبق إلا على أفراد محددين يعتبرون من مؤسسي الدولة، اما ابناؤهم فلا يعتبرون كذلك، أي لا يعتبرون مؤسسين، وإن اعتبرت جنسيتهم اصلية بسبب ولادتهم لآباء من الوطنيين -المؤسسين- عبر رابطة حق الدم. (د.احمد السمدان - بحث منشور في مجلة الحقوق).

ولذلك يرى هؤلاء، ومنهم الأستاذ الدكتور عبد الفتاح حسن (مبادئ القانون الدستوري) والدكتور حسن الهداوي (الجنسية ومركز الاجانب) وآخرون ان المادة الأولى من القانون قد استنفد الغرض منها بعد تحديد المؤسسين الاوائل للوطن والدولة.

ولم يتبق سوى تطبيق المادة الثانية من القانون التي تنص "يكون كويتياً كل من ولد، في الكويت او في الخارج، لاب كويتي".

وأوردت المذكرة الإيضاحية أن العبرة هنا بحق الدم من جهة الاب، فما دام ابوه كويتياً فهو كويتي، والعبرة كذلك بجنسية الاب وقت الميلاد، ويعتبر الابن كويتيا بصفة اصلية، وقد وصفت بالاصلية لانها لصيقة بالشخص منذ لحظة ولادته، ولم تكن طارئة عليه.

والضرورة العملية اقتضت التمييز بين المؤسسين الذين تواجدوا على الاقليم مدة من الزمن، او الانتماء العرقي او الديني، ضابطاً اساسياً لفرض جنسية التأسيس. والمقصود بالتأسيس هو ان هؤلاء الافراد الموجودين عند تأسيس الدولة هم الذين يشكلون عنصر السكان او الشعب، اذا توافر فيهم شرط التوطن او الاقامة للفترة التي حددها المشرع وهي سنة 1920. (استاذنا الدكتور حسن الهداوي - كتابه الجنسية ومركز الاجانب).

ثانيا - الجنسية المكتسبة (التجنس):

هي الجنسية الطارئة او الجنسية اللاحقة، أي التي يكتسبها الشخص في تاريخ لاحق على الميلاد، حتى ولو كان الميلاد سبباً في كسبها. فالعبرة في الجنسية المكتسبة ان اكتسابها لا يتم بتحقق الميلاد، بل بتمام دخول الشخص في جنسية الدولة الذي يأتي بتاريخ لاحق على الميلاد، لكونه لديه جنسية سابقة عند الميلاد.(د.عبد المحسن الشيشكلي - محاضرات في النظرية العامة للجنسية ومركز الاجانب في الكويت".

وقد نظمت المواد الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة والحادية عشرة مكرر، والثانية عشرة والثالثة عشرة، أسس كسب الجنسية وسحبها وفقدها، والقيود التي ترد على الحقوق بسبب كسبب الجنسية، ودون الدخول في تفاصيل هذه المواد.

إلا أن المشرع قد عدل هذه المواد كسبب لكسب الجنسية، بسبب تغير الأوضاع السياسية والاجتماعية التي حتمت على المشرع التدخل لاجراء هذه العديلات ومنها القانون رقم 44 لسنة 1994، وهو ما نعرض اليه.

أضاف المشرع فقرة ثالثة للمادة السابعة تنص على الاتي "اما اولاد المتجنس الذين يولدون بعد كسبه الجنسية الكويتية فيعتبرون كويتيين بصفة اصلية، ويسري هذا الحكم على المولودين منهم قبل العمل بهذا القانون".

وورد بالمذكرة الايضاحية لهذا القانون ان المادة الثانية من قانون الجنسية قد جاء عاماً دون ان يشترط في جنسية الاب ان يكون كويتيا بالتأسيس، او بصفة اصلية، او بالتجنس، فقد اعد هذا القانون باضافة فقرة ثالثة الى المادة السابعة لبيان ان اولاد المتجنس الذين يولدون له بعد تجنسه يعتبرون كويتيين بصفة اصلية، طالما انهم ولدوا لاب كويتي، فقد لزمت التسوية بين كل من يتحقق فيهم هذا السبب سواء كانت ولادته قبل العمل بهذا القانون او بعده.

ويعلق الدكتور احمد السمدان "وهذا التعديل وإن عالج جزءاً كبيراً من المشكلة الكبيرة التي خلفها التطبيق غير الصحيح للقانون، وأعاد الحقوق السياسية لمواطنين كويتيين بصفة أصلية، إلا أنه يخلق اشكالات كنا في غنى عنها، لو ان هذا التعديل جاء في موضعه الصحيح، في المادة الثانية من القانون. والتي لم تدخل التطبيق العملي منذ صدور القانون.

ثالثا:

ونظراً، للفساد في منح الجنسية لغير مستحقيها، سواء تأسيساً او تجنيساً، طيلة عقود، مما تسبب في دخول أشخاص وعائلات لا تنطبق عليها ضوابط كسب الجنسية، مما اضطر الحكومة إلى التدخل لتطهير هذا الملف من الشوائب التي طرأت عليه. وقد كشف التطبيق عن حالات تزوير ورشوة، وغش وتدليس، وازدواجية بالعشرات والمئات بل وحتى الاف! لكن هذا الوضع لو استمر سيخلق هو الآخر مشكلات اجتماعية واقتصادية، وحقوقية، ولذلك لابد من معالجة الآثار التي قد تخلفها حالات السحب والاسقاط والفقد.

رابعا - دور القضاء:

تباينت أحكام القضاء الكويتي في النظر في مسائل الجنسية. فالبعض اعتبرها من أعمال السيادة، وفي ذلك قررت المحكمة الدستورية وصف أعمال السيادة يرجع إلى السلطة التقديرية للقضاء وحده، ليقرر ما يعد من أعمال السيادة، ومالا يعد منها وفق ظروف وطبيعة كل عمل من تلك الأعمال، والتي يجمعها اطار عام هي انها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة في الداخل والخارج"، (طعن رقم 2/1999 دستوري جلسة 27 /‏‏4 /‏‏ 1999).

وقد اخذ المشرع الكويتي بنظرية اعمال السيادة في قانون تنظيم القضاء رقم 19/1959، وبالمرسوم بالقانون رقم 23/1990، الذي نص في مادته الثانية ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة.

وجاء المرسوم بالقانون رقم 20/‏‏1981، الذي حظر في المادة الأولى بند خامساً:

النظر في القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية، ولذلك قررت محكمة التمييز في الطعن 982/2005 بجلسة 26/‏‏ 9 /‏‏ 2006، إذ رفضت النظر في مسائل الجنسية، وقالت إنها تتسم بطابع سياسي أملته اعتبارات خاصة تتعلق بكيان الدولة ذاته".

وفي حكم آخر خالف ما ذهب اليه القضاء السابق، اذ اعتبرت ان قرار سحب الجنسية لا يعتبر من أعمال السيادة، بل يعتبر قراراً إدارياً من أعمال الإدارة يخضع لرقابة القضاء.(الطعن الصادر بجلسة 26/‏‏ 5 /‏‏ 2014).

وقد حسمت دائرة توحيد المبادئ بمحكمة التمييز وباغلبية اعضائها الجدل حول مسائل الجنسية فقررت الاتي: ان مسائل الجنسية بأكملها اصلية او مكتسبة تخرج عن الاختصاص الولائي للمحاكم، ذلك ان اعمال السيادة في دولة الكويت ذات اساس تشريعي اقرها قانون السلطة القضائية ونص على استبعادها من ولاية القضاء بنص صريح جامع مانع لا يقبل التأويل والتفسير"(الطعن رقم 2 /‏‏ 2022 جلسة 17 /‏‏ 4 /‏‏ 2022).

ويلاحظ ان حكم دائرة توحيد المبادئ قد اعتبرت مسائل الجنسية من أعمال السيادة، وبالتالي لا يحق لاي كان أن يلجأ إلى القضاء فيما خص هذه المسائل، من سحب او اسقاط أو فقد، وما يترتب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية وقانونية وغيرها.

لذلك ندعو المشرع، وهو هنا الحكومة، باعتبارها سلطة تشريعية كذلك، إلى اقتراح تعديل البند خامساً من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الادارية بالغاء الاستثناء الوارد بعدم النظر في مسائل الجنسية. وان يكون القضاء ملاذاً لكل من وقع عليه ظلم ان يلجأ إلى قاضيه الطبيعي، وبذلك يتحقق ميزان العدالة أمام الجميع، وهذا ما يجري عليه العمل في القوانين المقارنة، ولكي يمكن القضاء من التحقق من سبب القرار الاداري الذي أدى إلى فقد، أو سحب الجنسية، أو إسقاطها، فقد يكون هذا الإجراء فيه تعسف أو انحراف بالسلطة قد تترتب عليه آثار قد لا تحمد عقباها على المدى البعيد، ونضيف مشكلة أخرى من مقيمين بصورة غير مشروعة تزعزع كيان المجتمع!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مستشار قانوني

آخر الأخبار