شفافيات
لو محونا من الوجود، واعدمنا كل الموضوعات الثقافية للشعوب، التي هي حشو كلام لا قيمة حقيقية له، ولا فائدة؛ لوجدنا ان المكتبات في كل انحاء العالم؛ واقول: وربما المكتبات العربية بالذات، سيخف حمل رفوفها، وبشكل كبير جداً، وستتنفس الصعداء مما اعياها، واثقل كاهلها على مدارسني العمر كله، وأصابها بالتخلف والجمود والخرافة، وغيرها من الانتكاسات، العقلية والفكرية والدينية والسياسية والتربوية، وفي كل مناحي الحياة.
ولوجدنا ان دخان حرق هذا الحشو في الكتب والمكتبات قد يلف الكرة الارضية ويطوقها؛ فالقصص الخرافية في ثقافات العالم، لو طارت لغطت الشمس في رابعة النهار؛ وكذلك الحشو في كتب التعليم والحشو في العديد من الكتب الدينية للاديان السماوية، وغير السماوية ماعدا القرآن الكريم،(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
فالعدد العظيم منها مليء بالحشو والزيادات وغيرها؛ وقد فطن لنقاء القرآن من الحشو، حتى اللفظي منه، فطن لذلك علماء النحو مع آيات القرآن الكريم، فهم لا يقولون عن آية: انه لا محل لها من الإعراب.
ولو عددنا الحشو في الكتب التاريخية لوجدنا انها تتميز تماما بالحشو والتبجيل، والتعظيم حتى لشخصيات تافهة، وليس فقط الخرافات والكذب، والتعظيم للملوك والقادة والسياسيين ونحوهم.
ومن الطريف ان أذكر أنني كنت والدكتور المرحوم أحمد الخطيب في لقاء عابر في ديوانية، لمناسبة خلت تناولنا فيه على عجالة موضوع كتاب معروف الرصافي الكاتب العراقي المشهور، وموضوعه "الشخصية المحمدية" وهو ممنوع الآن في الكويت؛ حيث كنا قرأناه على تفرق انا والدكتور الخطيب، فقلت للدكتور الخطيب، الله يرحمه: يا دكتور: تدري ان الرصافي نقض كل كتابه من كلمة قالها في المقدمة، حيث قال ان التاريخ كذبة كبرى، او نحو هذا، ثم بنى نقده للقضية الاسلامية على التاريخ، فكلامه في كتابه سيكون مبني من الحجج والامثلة فيه على باطل، وعلى كذبة؛ لان الذي يتحدث عنه الرصافي فهو تاريخ، وما بني على باطل فهو باطل.
فاعجب الدكتور احمد الخطيب في هذا الكلام الذي قلته، وابتسم ابتسامة مؤكداً ان هذا الذي قلته صحيح؛ فلا قيمة لكل ما نقد، وحلل، وبنى.
فكم كتاب في الدنيا مليء بمثل هذه التناقظات الرهيبة، لو تم حرق كل كتب الحشو هذه لما خسرت الدنيا غير تلوث موقت للجو؟
ومن هنا فالقرآن ليس ثقافة حشو للاذهان بقصص الماضي، وحوادث التاريخ، وهي ليست دروس مدرسية، او في حلق التعليم او الجامعات، بحقها وباطلها، وانما يتنزل القرآن حين يتنزل ليعالج الواقع الحياتي الآني للجماعة المسلمة انذاك، وللامة الاسلامية في مستقبل حياتها.
وللحديث بقية ان شاء الله.
كاتب كويتي