لبنانيون نازحون هالهم حجم الدمار لدى عودتهم إلى منازلهم التي أصبحت أثرا بعد عين في قرية قانا بجنوب لبنان (أب)
رئيس كتلة الوفاء للمقاومة: نَصرٌ مرٌّ... وطوني عطية: المقاومة تأكل بيئتها والخسائر لا تُحجب "بإصبعين"
نصر: وحدها رائحة الموت قوية والكلام عن الدمار والقهر "استسلام"... والحميد: الحزب غامر بحرب واهمة وواهية
"السياسة" - خاص: بعد الانشغال أول من أمس، بزفة طوابير النازحين العائدين إلى أشلاء ضاحية بيروت الجنوبية أو قرى الجنوب اللبناني المهدمة، وزحام صور الجيش اللبناني في طريقه لبسط سيطرته على الجنوب، واستراحة المحارب من ضغط عسكري وتلاحق مشاهد المجازر والدمار غير المسبوقة، في أعقاب دخول اتفاق وقف الحرب بين"حزب الله" وإسرائيل حيز التنفيذ، بدأ لبنان وهو يحصي خسائره في حرب "لا ناقة له فيها ولا جمل" أمس، يستفيق على لحظة الحقيقة المرة التي عليه مواجهتها وتدارسها بتمعن، حيث ذهبت سكرة الشعور بالنصر لتأتي غمرة المراجعات والتحليلات الهادئة للحظة الفارقة التي يعيشها والتي تشير جميعها بالبنان إلى نتيجة لا تخطئها العين، وسط حديث يلفه الانكسار والوجيعة والألم عن نصر مر أو خسائر لا تُحجب "بإصبعين" أو حتى عن انكسار بنكهة انتصار أو الذهاب لما هو أبعد باتجاه هزيمة سافرة الوجه.
ورسم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد الصورة قائلا "في العادة يستنفر النصر مشاعرَ فرحٍ، تنتفخُ فيه الأنا، يزدهي به المنتصرون، تعبّر الثقة عن نفسها بخُيَلاء، تزدحم الساحات بالمهنئين، تعلو الأصواتُ، تتدفق التصريحات، يكثر الأدعياء، ويتنافس أهل الرأي والفكر وخبراء السياسة والتاريخ في تحليل النصر وأسبابه وأبعاده وفي التنبيه من بعض ما قد يسيء إلى أهدافه، مضيفا "في العادة أيضًا: إنّ النصرَ نجاحٌ في تحقيق الأهداف، أو في منع العدو من إنجاز ما يبتغيه جراء عدوانه. ويكفي تحقّق أحد هذين الأمرين حتى يستشعر الناس مذاق الانتصار، وعليه، ورغم ذلك كله، فإنّ مذاق الانتصار هذا يستشعره أهلُهُ مرًّا هذه الأيام".
وقال "صحيح أنّ ثمن الانتصار على العدو باهظٌ ومرتفع، لكن يبقى أنّ حِفظ الكرامة وبقاء المقاومة ونهجها وصَونَ السيادة الوطنية أغلى وأهمُّ من كل التضحيات"، معتبرا أن المقاومة حين تمنع العدو من احتلال الأرض ومن إنهاء وجودها ودورها وتحفظ سيادة البلاد وتحول دون تحقيق أوهام الكيان الصهيوني الغاصب ومَن وراءَه، بترسيم خارطة جديدة للشرق الأوسط حسب مشروعه، تكون قد أنجزت بثباتها وصمودها وبأس مجاهديها ما تعجز عنه جيوش أنظمة ودول في كثير من الأحيان"، مؤكدا أن إعمار ما تهدّم أمرٌ مقدورٌ عليه، لكن الكرامة والشرف إذا سُلبا، فلن يكون ممكنًا استرجاعهما ولا حتى ترميمهما.
من جانبه، وتحت عنوان "المقاومة" تأكل بيئتها والخسائر لا تُحجب "بإصبعين"، قال الكاتب طوني عطية إنه "منذ الثامن من تشرين الأول 2023 حتى 26 تشرين الثاني 2024، حصدت تجربة الإسناد ثمّ الحرب المفتوحة، نحو 3823 ضحيّة و15859 جريحاً، وسحقت نحو 35 قرية ومدينة بشكل كامل على طول 120 كيلومتراً، من الناقورة غرباً إلى شبعا شرقاً، فيما عدد الأبنية المدمّرة جزئيّاً أو كليّاً جنوباً وبقاعاً وعاصمةً، فاقت الـ100 ألف وحدة سكنية، بحسب تقرير البنك الدولي، الذي قدّر الأضرار والخسائر الأولية في لبنان بنحو 8.5 مليارات دولار، وذلك في تقرير أصدره في 14 تشرين الثاني.
وأضاف "حصل كلّ هذا في "عزّ" فوائض قوّة "حزب الله" (السابقة)، حيث كان يفترض أن يشكّل الدرع الأكبر في تاريخ الشيعة أو على الأقلّ تجاه بيئته التي وثقت وآمنت به وبقدراته حتى النخاع، حتى لو خسرت أرواحها وفلذات أكبادها ومنازلها وأرزاقها. غير أنّ الجنوبيين لم يشهدوا هذا الكم من الدمار والتهجير والموت طيلة الحروب السابقة. أجبروا على الترحال والنزوح من قطاع إلى آخر، من جنوب نهر الليطاني إلى شماله، ثمّ إلى جبل لبنان، بناءً على توجيهات وإنذارت أفيخاي أدرعي، مؤكدا أن الخلاصة التي يرفض البعض إعلانها، هي أنّ "المقاومة" التي وجدت من أجل "تحرير الأرض"، أكلت بيئتها ولن تستطيع حجب الخسائر والأهوال بإشارات نصرٍ مزيّف.
في السياق نفسه، مضت نوال نصر، متحدثة عن الانكسار بنكهة الانتصار، قائلة "بعد 18 عاماً على 14 أغسطس 2006، أي بعد نحو 7000 يوم على نهار انتهت فيه حرب تموز التي انتهت بعبارة: لو كنت أعلم. الفاتورة أكبر. الدم الذي سال أكثر. و"الانتصار" الذي أتى - للأسف - أوهن من خيط العنكبوت"، مضيفة "مرّت السنون وكأنها ثوانٍ. أتى 18 تشرين 2023 ولحقه 23 أيلول 2024 ولحقهما 27 تشرين 2024... الصورة نفسها. النكبة زادت. ومبانٍ سُويّت في الأرض ومبانٍ أخرى تتكئ على بعضها وحجارة لا تحتاج إلا الى رياح بسيطة لتتساقط على الرؤوس مشكلة خطراً آخر".
وتابعت "إشارات النصر كثيرة. صور السيّد الشهيد توزّع. ويافطات عُلقت على عجل تضم رسم حسن نصرالله وعبارة تتكرر: "ولّى زمن الهزائم. جاء نصرالله". المهدي قد عاد؟ الشعارات زمان - في 2006، كانت مختلفة "لك البيعة حسن نصرالله". ووحدها رائحة الموت قوية في المرتين. وإن كان الكلام عن الموت والدمار وكل القهر غير مرغوب "لأنه استسلام". نمشي بلا أسئلة لأن الأجوبة تتكرر ذاتها مقرونة بإشارات نصر "انتصرنا"، متساءلة "لمن يظنوا أنهم "انتصروا" لكن، ألم يحن لهؤلاء أن "يستيقظوا"؟ أهلنا متى يستيقظون؟، أطفالٌ يخرجون من الشبابيك يحملون بواريد مياه وشبان يرفعون رشاشات برصاصٍ حيّ... الفرح لا يكتمل لدى هؤلاء إلا بالرصاص؟ ماذا عن الحياة؟ ماذا عن الدولة؟ ماذا عن الغد القريب والأبعد؟ هل سيبقى مكتوب على اللبنانيين عيش الانكسار بنكهة الانتصار؟ انتصرتم. تطبيق القرارات الدولية انتصار".
أما طارق الحميد فكتب في صحيفة "الشرق الاوسط" اللندنية يقول "كتبت قبل أسبوعين عن حروب المنطقة والسعي لقول "انتصرنا"، لكن "لا طرف من أطراف الصراع يريد الانتصار لمفهوم الدولة، أو حقن الدماء، وإعلاء قيمة الوطن والمواطنة، أو لإنجاز السلام، بل البحث عن انتصار آني، لن يعود على المنطقة... بالفائدة المرجوة للمضي قدماً"، مضيفا أن "القصة، وتحديداً في الحديث عن الهزيمة، مختلفة، وهي عن الصورة الكبيرة. فإذا تم وقف إطلاق النار، ونتج عنه ارتداد سلاح "حزب الله" للداخل فهذه هزيمة للدولة اللبنانية، وإسرائيل، والوسطاء الدوليين، وإذا لم يتعلم لبنان، وساسته، الدرس، وتصبح الدولة فوق الجميع، وقرار الحرب والسلم بيدها، وحامي حماها هو الجيش، فإنَّ هذه هزيمة ساحقة للبنان، فقط لأن "حزب الله" قرّر المغامرة بحرب "وحدة ساحات" واهمة وواهية، لأن الدول ليست جمعيات خيرية. وهذه هزيمة جديدة للبنان أيضاً.