زميلنا الصحافي، الاعلامي الخلوق، وليد الجاسم بات ملتصقاً بالاعلام المرئي اكثر من الاعلام المقروء، فعلاوة عن كونه يشرف على احدى اهم جريدة يومية، لكنه مطمئن لا شيء يقلق او يتسرب من تحت يده، فكل شيء في صفحات الرأي تحت النظر.
لذلك وجدناه يتنقل على الشاشة بين برامج الطبخ الذي كشف للمشاهد انه شيف "نمره يك"، ما بين الطبخ الكويتي التقليدي، والايطالي والفرنسي، وربما الكوري والياباني، وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم.
الزميل الوليد ابو خالد يطبخ ويفرغ في الاطباق الى ضيوفه، ونحن عبر شاشة التلفزيون الفضية نشتم رائحة ودخان الاكل، وكأننا ايتام مكة، لذلك نقول للعزيز الجميل والمتواضع ابو خالد: عليك دين وعندنا حق عليك. المرحوم صالح المذن الذي حمل راية التراث، هو احد التراثيين، وربما نستطيع ان نصفه بالجيل الجديد، فقد توفاه الله في عمر صغير (توفي عن عمر ناهز 66 عاماً) اي بعد استقلال الكويت 1961 واصدار دستور دولة الكويت 1962، وانتخابات اول مجلس أمة 1963، الا ان العمر لا يقارن مع الانتاج والجهد وما يتركه المرء من جهد للاجيال التالية.
الراحل ايوب حسين وهو قريب من الزميل وليد الجاسم، لا ريب يعرفه جيداً، فقد اكلا في طبق واحد، وتلاقيا على هموم مشتركة ليست بعيدة عن هموم الخال، والعم والعمة.
ايوب حسين رافقته قرابة الخمسين عاماً، كزميل، وصديق، وعقل مشترك، فانت قد تعرف او تتعرف على آلاف الناس، لكن من بينهم لا تجد نفسك الا مع واحد، ايوب حسين، ولا استطيع ان اسميه فناناً تشكيلياً، ولا شاعراً او كاتباً صحافياً، ومؤلف كتب، ولا تراثياً ولا عازف عود، أو كمان او ممثلاً. استطيع ان اصفه بالمربي، والفنان الشامل، وكنت اصفه تاريخ الكويت المصور، ايوب توفاه الله عن عمر ناهز 85، يرحمه الله، وبرحيله شعرت بغربة وبفراغ واعتكفت في البيت الى هذه الساعة.
المرحوم صالح المذن قدم برامج تراثية على شاشة "تلفزيون الكويت"، وسافر بحثاًعن التراث الكويتي الى الهند وزنجبار، وسبقه الى ذلك الباحث الاستاذ الجامعي الدكتور يوسف جاسم الحجي، الذي ذهب الى زنجبار بحثاً عن لحاء الاشجار التي كانت تستعمل في اسقف منازل الكويتيين.
بينما ايوب حسين التصق بالكويت والتراث المحلي، وكان يرحمه الله دقيقاً، وحريصاً على الا يزل قلمه عن التراث الكويتي، أو يدخل اشياء دخيلة.
كتب عن قرية حولي، وعن اللهجة الكويتية، وجمع قصائده الشعرية في ديوان. كنا نجلس في ديوانية جمعية المعلمين حيث نتداول الكلمات والغناء التراثي، وكان يكتب مقالات صحافية، وكنت اذهب اليه اثناء الدوام المدرسي، فآخذ المقالة لنشرها في مجلة "اليقظة".
التراث ليس محصوراً بجمعه كتابة او مجسداً على شخص واحد، فالكويتيون شغوفون بتراث وطنهم، ونجد هنا العديد من المحبين والباحثين في الثراب انشأوا متاحف في منازلهم، ويطالبون الحكومة بتخصيص مكان للتراثيين.
يبقى ان لا نبخس جهد اخونا الاعلامي، والصحافي، والتلفزيوني وليد الجاسم الذي حرك في داخلي الذكريات والتاريخ والصداقة، ما جعلني ابكي على ايام وذكريات وصحبة جمعتنا فرحلت.
صحافي كويتي
[email protected]