في الاسابيع الماضية حدثت تطورات كبيرة في المنطقة، يمكنها ان تؤثر على عموم الشرق الاوسط، فإذا كان سقوط نظام بشار الاسد الحدث الاكبر، فإن ما جرى في لبنان قبله كان له التأثير الكبير على هذا السقوط السريع لنظام كان يعتقد انه صلب، وقادر على مواجهة المتغيرات، خصوصا انه كان مدعوماً من دولة اقليمية كبيرة، واخرى عظمى، فيما ساعدته ميليشيات عدة على الصمود.
كل هذا تبخر بين ليلة وضحاها، ففي غضون 12 يوماً تحللت تلك القوة العاتية، وظهرت مهلهلة، غير قادرة حتى على الدفاع عن جنودها، ما يعني ان كل تلك السنوات كان هذا النظام يعيش على التنفس الاصطناعي، فيما ادت الدعاية مهمتها بالتضليل الى حد انها اعمت البصائر.
في سورية كما في لبنان، هناك جملة تغييرات لا بد من اخذها بالاعتبار، فاذا كانت بيروت غير قادرة على تحديد ماذا تريد من مسؤوليها المشغول كل منهم بمصالحه، فيما الدولة تحتضر، ويتنافس كل منهم على نيل حصته، غير عابئ بمصير البلاد، فإن سورية اليوم تدخل الحال الاسوأ، فمؤسساتها لا تعمل، والجميع حذر من الآخر، ومجلسها النيابي معطل، بينما الحكومة الانتقالية لا تزال في طور الولادة.
ما يعني انها تحتاج الى سنوات، بل عقود كي تعود الى الاستقرار، واذا اخذنا في الاعتبار ما جرى في العالم العربي، والثقافة قائمة على مبدأ فاسد، وهو"انا او لا احد"، ولنا في هذا الشأن امثلة عدة، بدءاً من ليبيا التي لا تزال الى اليوم، وبعد 13 عاما، تعاني مما تركته الاحداث، او العراق، واليمن وغيرها من الدول، فهذا يقودنا الى يقين ان العرب ليس لديهم ثقافة بناء الدولة، والمساواة بين المواطنين، وهذا مصدر تخلفهم.
الى اليوم، مثلا، في لبنان لا تزال المؤسسات مشلولة، ولا احد يستطيع ان يطالب بابسط الحقوق، لان ثمة بعبعاً او عفريتاً يخاف الجميع ان يطلع لهم في طريقهم، الى حد ان الناس هناك لم تعد تتحدث عن التنمية، انما عن المحافظة على ابسط المقومات المعيشية، والامان بالحد الادنى.
اما في سورية فإن الامر اصعب بكثير، فإذا ذهب زوار فجر، فهناك اخرون اكثر منهم قمعاً بدأوا يولدون من جديد، على غرار معظم الدول العربية التي عاشت محاولات تغيير افترضت انها ديمقراطية، واكتشفت غير ذلك.
العالم العربي محكوم بثقافة مغايرة لطبيعته، واصوله الاجتماعية وعاداته، لان خلال العقود الثمانية الماضية سادت فكرة "انا او لا احد"، ورأى البعض انه "الحاكم بامره" يستطيع ان يفعل ما يحلو له من دون محاسبة.
هذه الطبيعة التي تكرست منذ مطلع القرن العشرين لا تزال تتحكم بالعربي الذي يخاف التغيير، لذا فإن التنمية تبقى شعاراً وحبراً على ورق، لانها تمس جوهر الانسان وطبيعته، وتطوره الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، وهو ما لا يريده من بيدهم القرار.
على هذا الاساس، ما جرى في الاسابيع الماضية، اكان في سورية او لبنان، لن يخرج عن هذا الاطار، الا في حال واحدة وهي ان يكون للنخب فيها، خصوصا الهادئة والعقلانية والوطنية، دورها في اعادة بناء المجتمع، قبل المؤسسات، بل اعادة ترميم ما هدمته المنظومة السابقة، وهذا صعب جداً في مجتمعات خائفة من شتى اساليب التهديد المستخدمة ضدها، ما يعني ان الخراب لا يبني دولة.