تعد المقاومة من أسمى معاني الكفاح والنضال، فهي لا تعبّر فقط عن مواجهة الاحتلال، بل تجسد إرادة الشعوب في السعي نحو الحرية والعدالة.
عبر التاريخ، شهدنا أن الاحتلالات مهما كان نوعها أو قوتها، لم تدم طويلاً، فسرعان ما تندلع شعلة المقاومة لتضيء درب الحرية.
فهي ذلك الحراك الجماهيري الذي ينشأ في ظل الأوضاع الصعبة والقمعية، حيث يجتمع الأفراد على هدف مشترك: تعزيز كرامتهم واستعادة أرضهم. تُعتبر المقاومة فكرة نابضة بالحياة، تتجدد مع كل جيل، فكلما زادت الضغوطات على الشعب، زادت إرادته في النضال والمطالبة بحقوقه المشروعة.
تاريخ البشرية مليء بالأمثلة على الاحتلالات التي باءت بالفشل. منذ الاحتلال الروماني للأراضي المقدسة، مرورًا بالاستعمار الأوروبي لأفريقيا وآسيا، وصولاً إلى الاحتلالات الحديثة، أثبتت كل تلك التجارب أن إرادة الشعوب في التحرر تتفوق في النهاية على الآلة العسكرية.
جاءت حركات المقاومة، مثل حركة التحرير الفلسطينية، لتُظهر كيف يمكن لفكرة واحدة أن تُلهم ملايين البشر للتوحد والقتال من أجل حقوقهم. فهم استمدوا قوتهم من التاريخ، ومن القصص التي توارثوها عن أجدادهم الذين قاتلوا من أجل الأرض والعرض.
ولا تقتصر المقاومة على الجانب المسلح فقط، بل تشمل أيضاً المقاومة السلمية والثقافية، وتُعتبر المقاومة الفكرية والثقافية من أبرز مظاهر النضال، اذ يعمل الأفراد على تعزيز هويتهم وثقافاتهم، كمظهر من مظاهر التحدي ضد محاولات المسخ والاحتلال.
فكرة المقاومة تنطلق من قناعة عميقة بأن العدالة ستكون في النهاية هي السائدة، ولا يمكن للأعداء أن يفرضوا إرادتهم على الشعوب القوية بتراثها وثقافتها.
وتاريخيًا، يُظهر كل احتلال في النهاية، أنه ليس له مستقبل، فحتى القوى العسكرية الأقوى، عندما تواجه إرادة شعبية حقيقية، يُمكن أن تنهار وتخسر.
الاحتلال البريطاني للهند، والاحتلال الفرنسي للجزائر، كلاهما مثالان على كيف أن التضحية والإصرار يمكن أن يؤديا إلى التحرر.
الإرادة الجماعية تجعل من المحتل في نهاية المطاف شخصية معزولة، فكلما استمر المحتل في قمع الشعب، زادت الاستجابة من الأخير. فتتكون حلقات من العزيمة والتضحية، والبطولة، مُكونة جبهة قوية للمقاومة.
تظل المقاومة فكرة حية في قلوب كل من يسعى إلى الحرية، فقدرة الإنسان على التحمل، ورغبة الأمم في الحياة بكرامة، تجعل من فكرة المقاومة أحد أهم أسس بناء مستقبل أفضل.
في كل زاوية من زوايا الأرض، حيث يُعاني الناس من الظلم، تثبت أن كل احتلال، مهما كان قوياً، سيكون مصيره الزوال، وأن الحق لا يمكن أن يموت.
على الشعوب أن تؤمن بمسارها، وتستمر في المقاومة حتى تحقيق أهدافها في الحرية والوحدة. إن المقاومة ليست فقط فكرة، بل هي روح لا تموت.
كاتبة بحرينية
وخبيرة القانون الدولي والعلاقات الديبلوماسية