الاثنين 13 يناير 2025
17°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
طهران حوّلت عواصم عربية مفرمة بشرية لغاياتها وحروبها
play icon
الأولى   /   الافتتاحية   /   أبرز الأخبار

طهران حوّلت عواصم عربية مفرمة بشرية لغاياتها وحروبها

Time
السبت 28 ديسمبر 2024
View
8920
أحمد الجارالله

منذ العام 1917، أي فور ولادة مخطط سايكس- بيكو، لم يكن للعرب قرار، وكاد يصدق عليهم جزء من الآية الكريمة: "بأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تحسبهم جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى..."، ولهذا، لم يكن لهم موقف موحد حيال القضية الفلسطينية عشية قيام الدولة العبرية.

كما يمكن القول إنهم أكلوا مرات عدة يوم أكل الثور الأبيض، لذا سمحوا لبعض القوى والدول أن تصادر قرارهم، وأقرب مثال على ذلك أنهم في العام 1979 عند الانقلاب على الشاه، لم تكن لديهم القدرة على مواجهة المخطط الفارسي المغلف بـ"تصدير الثورة"، فتخلوا عن لبنان الذي جعلته إيران رأس جسر لها طوال العقود الماضية، كي تعظم نفوذها في الدول العربية.

هذا البلد الصغير، كان يمكن أن يتخلص من الورم الإيراني الخبيث إذا كانت هناك رؤية عربية صحيحة للمعالجة، فيما عملت طهران على زرع الشقاق بين أهله، من خلال تعظيم قوة أقلية داخل أقلية، فشكلت من يسمى "الثنائي الشيعي" عبر تعزيز نفوذ "حزب الله" و"حركة أمل"، بينما عمل رديفها "السوري" على ترسيخ المخطط القذر، بشق الطوائف الأخرى.

منذ العام 1982 تحول لبنان شيعاً وقبائل، وأحزاباً، وكل واحد يعمل على النهش من قوة الدولة، بينما ورّط "حزب الله" البلد في حروب داخلية مدمرة، وأكملت على ما بقي من مؤسسات نجت خلال الحرب الأهلية، فيما استدرج العدوان الإسرائيلي على الجنوب مرات عدة بحروب فاشلة.

في المقابل، ومنذ الأساس، لم تكن دمشق بعيدة عما ترسمه طهران للمنطقة، لذا غرقت طوال العقود التي تلت ما يسمى "الثورة الإيرانية" في حسابات خاطئة ما جعلها تتحول من قلب العروبة النابض إلى مجرد بيدق في لعبة الشطرنج الإقليمي، تتبع القرار الفارسي، وبدلاً من أن تؤدي سورية دورها العروبي الصحيح، أصبحت بلداً يساق أهله إلى الذبح كنعاج في السجون، لأنهم رفضوا التخلي عن وحدتهم وإيمانهم بوطنهم.

ما فعلته إيران طوال العقود الماضية هو العودة إلى القاعدة القديمة "فرّق تسُد"، لذا زرعت ميليشياتها في معظم العالم العربي، واستخدمت الشعارات الإسلامية، واستغلت الفراغ الذي أحدثته الولايات المتحدة في العراق لتهيمن على بغداد، ثالث العواصم العربية، قبل أن تعمل على زرع بذرتها البغيضة في عاصمة الحكمة العربية (صنعاء) وتحيلها مصنعاً للجهل، حين عملت بعد العام 2011 على تعزيز قوة الحوثي.

لذا، اليوم تعاني تلك الدول من شتى المشكلات، فإذا كان لبنان أصبح دولة فاشلة، فإن سورية عانت الكثير، أكان منذ وصول حزب "العبث" إلى السلطة عام 1963، واستيلاء حافظ الأسد عليها عام 1970، أو بعدها، ليتحول أشبه بمفرمة لحم للبشر، كذلك شهدت حرباً أهلية استمرت 13 عاماً، كان من نتيجتها هجرة نحو 12 مليون مواطن إلى خارج بلادهم، ومقتل ما يزيد على 500 ألف، كذلك عانت من الفقر والجوع.

العراق لم يكن وضعه أفضل، ففيه ساد حكم أقلية الأقليات، فأصبحت الميليشيات الطائفية سيدة الموقف في كل شيء، إذ عملت طهران على محاولة "دق إسفين" بين الشيعة والسُّنة، وكذلك الأكراد، ونجحت إلى حد بعيد في هذا الشأن، لذا اليوم يبدو هذا البلد مهلهلاً يرزح تحت وطأة أزمة معقدة تهدد دائماً بالعودة إلى الحرب الأهلية.

أخطر ما في المخطط الإيراني هو تحريك الذراع "الحوثي" للاعتداء على مكة والمدنية المنورة، لأنه في العرف الفارسي من يمسك بقرار الأماكن المقدسة، يستطيع السيطرة على العالم الإسلامي.

وفي هذا الشأن، ربما من المفيد العودة إلى التاريخ، وليس نكأً للجراح إنما للدلالة على كيف كان العرب قديماً من حكمة وقوة، ففي زمن الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما) أراد قيصر الروم استغلال هذا الصراع، فبعث برسالة إلى معاوية قال فيها: "علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنَّا لنرى أنكم أحق بالخلافة منه، فَلَو أمرتني بعثت إليك بجيش يأتي إليك برأس علي"، فكان رد الخليفة الأموي: "أخوان تشاجرا فما بالك تدخل بينهما.. إن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي، يأتونني برأسك أقدمه لعلي".

هذه الحكمة التي افتقدها حكام الدول الأربع، أي لبنان وسورية والعراق واليمن، إذ بدلاً من مقاومة المشروع التفكيكي الفارسي، انغمسوا إلى آذانهم فيه، وبالتالي ضعفوا، وأضعفوا دولهم وشعوبهم.

اليوم، مع حكام سورية الجدد الذين بدأت تظهر رؤيتهم إلى مستقبل بلادهم، علينا إدراك أن موقع سورية الجغرافي، وكذلك شعبها المتنوع، هو ثروة عربية، وإذا لم يسارع العرب والدول الإسلامية إلى دعمها فهم يضربون آخر مسمار في إمكانية نهوضهم، لأنه حين ترتاح سورية، وتعمل القوة العربية الناعمة على توحيد العراقيين، وتقطع الذراع الفارسية الأخيرة في اليمن، ويستقر لبنان، فالعالم العربي من مشرقه إلى مغربه سيكون قوياً، وينهض بقوة، ولن يكون قراره بيد أقلية من أي نوع كانت، تستقوي بالغريب على أهلها وبلدها.

  • أحمد الجارالله
آخر الأخبار