السبت 10 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 د.كاظم بوعباس
كل الآراء

أعمال السيادة ومسائل الجنسية دراسة قانونية تأصيلية

Time
الثلاثاء 31 ديسمبر 2024
View
590
د.كاظم بوعباس

أولا: خلال لقاء معالي النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، وزير الدفاع، الشيخ فهد اليوسف مع رؤساء تحرير الصحف، وحضره كذلك وزراء العدل والخارجية والاعلام.

وعقّب وزير العدل على سؤال لأحد الحاضرين عن أن الحكومة تمارس اعمالها باعتبارها سلطة حكم لا سلطة ادارة، واضاف أن مسائل الجنسية تعتبر من اعمال السيادة، كما استقرت عليها احكام القضاء، وهذا موجود في جميع دول العالم! وان لجنة تظلمات ستشكل لبحث من وقع عليهم السحب، او الفقد، او الاسقاط من قضاة ومن غيرهم!

تعقيب وزير العدل محل نظر، وهو محل هذه المقالة.

ورغم ان موضوعات سحب الجنسية وفقدها واسقاطها قد شغلت الرأي العام ولا تزال، أملنا كبير ان يتسع صدر المسؤولين المعنيين بهذا الملف الحساس والشائك في الوقت نفسه، توصلاً الى كشف الحقيقة، امام من بيده القرار، والاراء القانونية والفقهية لمعالجة هذا الملف.

فالحق قديم، وقد أشرنا في مقالات سابقة بالحق المكتسب، وتحصن قرارات منح وكسب الجنسية مادامت خلت من غش او تزوير وتدليس، ثم لماذا لم يُحاسب احد ممن دققوا ملفات الجنسية، وصدقوا عليها، اذا كانت تحمل في طياتها بعض الشبهات؟

وهو سؤال مشروع مادامت الحكومة قررت فتح هذا الملف بهدف نبيل، وغاية مشروعة.

ثانيا: أعمال السيادة تُعد نظرية اعمال السيادة استثناءً خطيراً من مبدأ المشروعية، الذي يقضي بخضوع اعمال السلطة التنفيذية للقانون، واستثناء من ولاية القضاء في رقابته على اعمال الادارة، والتحقق من التزامها بالقانون واحترامها له، وقد لاقت هذه النظرية كثيراً من النقد من الفقه.

(انظر رزان علي رحيم - رسالة ماجستير عن الاختصاص القضائي بمنازعات الجنسية والمراجع التي اشارت اليها).

وتذهب محكمة التمييز في الكويت، الى ان من المقرر وفقاً لحكم المادة الاولى من القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء: "ان المحاكم هي صاحبة الولاية العامة بنظر جميع المنازعات والفصل فيها، ولا يخرج من اختصاصها بذلك الا ما استثني بنص صريح… وان المشرع قد ترك امر تحديدها للقضاء اكتفاء باعلان وجودها، ومن ثم تكون المحاكم هي المختصة بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من الحكومة، وما اذا كان يُعد من اعمال السيادة او لا يعد كذلك...وان اعمال السيادة لا تنصرف الا الى تلك الاعمال التي تتصل بالسيادة العليا للدولة، أو بالاجراءات التي تتخذها الحكومة باعتبارها سلطة حكم في حدود وظيفتها السياسية.

اما الاعمال التي تباشرها في حدود سلطتها الادارية تنفيذا للقوانين، فلا يصدق عليها مثل هذا الوصف، والقول بغير ذلك من شأنه ان يفضي الى ان تتحلل الجهة الادارية من اتباع احكام القوانين والتزام حدودها وضوابطها".

(طعن تمييز13 / 2006 اداري جلسة 2/ 7 / 2007).

ومن ابرز امثلة اعمال السيادة الاعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان، والاعمال المتعلقة بالحرب واعلان الاحكام العرفية. وفي حكم مثير للجدل تصدت المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة المصري في 8 / 11 / 2016 ببطلان اتفاقية بين مصر والسعودية بترسيم الحدود البحرية في البحر الاحمر، ونقل تبعية تيران وصنافير للسعودية.

ولذا، تنبه المشرّع في القانون الخاص بانشاء الدائرة الادارية، فاستثنى من نظرها المسائل المتعلقة بالجنسية والاقامة، وابعاد الاجانب، ودور العبادة في البند خامساً من المادة الاولى من المرسوم بالقانون رقم 61 لسنة 1981.

لكن، رغم ذلك، فإن عددا من احكام التمييز اعتبرت قرارات سحب الجنسية،او اسقاطها، قرارات ادارية تخضع لرقابة القضاء ولا تُعد اعمالا سيادية.

لذلك رأت دائرة توحيد الطعون ان مسائل الجنسية من اعمال السيادة نظراً للخلاف بين الدوائر.

ثالثاً: يرى بعض الفقه ان الحق في الجنسية قد يتعرض للانكار من الدولة، او المنازعة فيه من الافراد، واذا كان من المسلم به ان الادارة، او الدولة، تعمل اساسا من اجل مصلحة الافراد، فان هذا لا يمنع من وقوع شطط في بعض تصرفاتها احيانا عن غير عمد، لذلك كان لابد من اقامة توازن عادل يحيط عمل جهة الادارة، خصوصا في مسائل الجنسية، وهو هدف المشرع والفقه والقضاء.

(مهدي الشيخ عوض - رسالة دكتوراة الرقابة القضائية المتعلقة بمسائل الجنسية - جامعة عين شمس)

وتعلق الدكتورة رزان علي في اطروحتها المشار اليها: قد يقال ان مسائل الجنسية تعتبر من اعمال السيادة، وبالتالي لا تخضع لرقابة القضاء. وهذه المقولة لاتخلو من المغالطة والخلط بين السيادة الخارجية والداخلية للدولة.

فقوانين الجنسية تدخل في نطاق سيادة كل دولة، وتحديد القواعد الخاصة منحاً ومنعاً وسحباً و تنظيماً، فلا يجوز لاي دولة التدخل في امور جنسية دولة اخرى.

وتضيف: اما في مجال السيادة الداخلية فان كل الوسائل التي تستخدمها الدولة في منح، او سحب، او تنظيم هي ادوات ادارية عادية وليست من اعمال السيادة، وبالتالي تخضع لرقابة القضاء وتدخل في اختصاصه، وهو الرأي الراجح والغالب في الفقه والقضاء.

(انظر كذلك د جورجي شفيق ساري: حجية الاحكام الصادرة من القضاء الاداري في دعاوى الجنسية).

ومما تجدر الاشارة اليه ان القضاء الفرنسي (المادة 29 مدني) والمصري العادي، ثم مجلس الدولة والمغربي والعراقي والانكليزي، يعتبرون مسائل الجنسية قرارات ادارية تخضع لرقابة القضاء.

ولذلك، فإننا ندعو وزير العدل الغاء البند خامسا من المادة الاولى من قانون المحكمة الادارية، ليعود الاختصاص الى القضاء بدرجاته، وليس الى لجنة ادارية، حتى ولو كانت من القضاة، وقراراتها غير قابلة للطعن عليها!

بذلك نكون قد أظهرنا الجانب الحضاري لدولة المؤسسات امام المنظمات الدولية وحقوق الانسان.

مستشار قانوني

آخر الأخبار