الرقابة الإدارية والمالية متعددة النطاقات والمستويات، ولدينا مجموعة لا بأس بها من مؤسسات الرقابة التي تهدف بشكل أساسي الى حماية المال العام، وهو هدف مهم تحرص عليه الدولة، إلا أن هذا الهدف يواجه تحقيقه، وعلى نحو مستدام ثغرات، او عدم فاعلية وسائل وأدوات الرقابة، وذلك ما نرى نتائجه بين حين وآخر من خلال التعديات على الأموال العامة، ومن مسؤولين يفترض انهم امناء على المال العام، وكذلك الخدمة الادارية بعيدا عن المحسوبيات.
للاسف، إن تعدد أجهزة الرقابة ومستوياتها لا تؤدي بالضرورة إلى تحقيق أهدافها المرجوة، وضمان السلامة الإدارية والمالية، لان هذا التعدد يشتت الجهد، ويمكنه ان يوفر للفاسدين منافذ للهروب من المحاسبة، اذ لا يعقل ان بلداً كالكويت لديه كثير من الهيئات والمؤسسات الرقابية، ومنها ما ضم بعض المسؤولين الذين سيقوا الى المحكمة بتهمة الفساد، اي باب النجار مخلع.
في ما في البلدان الاخرى، خصوصا المتقدمة، فتلك المؤسسات لا تتعدى الاثنتين او الثلاث، ومحكومة بقوانين صارمة، ولا يمكن لاحد مهما كان منصبه ان يفلت من المحاسبة، بل ان بعضها لدى موظفيها صلاحيات توجيه الاتهامات لاي كان، والقاء القبض بعد اثبات الفساد عليه بالدليل القاطع، وعليه الخضوع للمحاسبة، ويجرد من صلاحياته، وكي لا يكون هناك تعسف فعليها رقابة شعبية من خلال المؤسسات التشريعية.
بيت القصيد هنا هو جودة الرقابة وفعالية إجراءاتها، ومدى مطابقتها مع الممارسات الرقابية الحديثة، فإذا كانت الجودة والفاعلية ليستا بالمستوى المطلوب فإن نتائجها ستكون على غير ما هو مرجو، او أقل مما هو متوقع، وبالتالي بدلا من ضبط السلوك الاداري للقائم على المال العام، تكون تلك نافذة للهروب من المحاسبة، بل واشاعة الفساد. وما ينطبق على الرقابة المالية ينطبق كذلك على الرقابة الإدارية، وخصوصا التي يمارسها ديوان الخدمة المدنية على ممارسات الإدارة العامة، فهذا النوع من الرقابة مهم جدا لتحقيق العدالة والمساواة بين الموظفين العموميين، بما في ذلك التعيين في المستويات القيادية والإشرافية، التي ينبغي أن تخضع لمعايير واشتراطات صارمة ورقابة فعالة.
ولا شك أن الرقابة المسبقة، الإدارية والمالية، على درجة عالية من الأهمية، فهي صمام أمان يمنع التجاوزات ويغني عن تحولها نزاعاً قانونياً، خصوصا إذا ما كانت الرقابة المسبقة مُحكمة وصارمة وفعالة.
ان اساس الرقابة، المالية والادارية، الشفافية، وهذا في العالم العربي، قلما كان متوفراً، ولهذا هناك استغلال المال العام، لذا لاتكفي كثافة وعدد الرقباء، طالما ليس هناك اشراف شعبي يمارس الشفافية، ولهذا اصبح استغلال المال العام في السنوات العشر الأخيرة، اكثر اتساعا، لان هناك من حاول تهميش المؤسسة الرقابية الام الخاضعة للرقابة الشعبية، لذا لن نستغرب اذا كانت هناك فضائح جديدة.