جملة من التساؤلات، يثيرها التعميم الإداري الصادر من وزارة العدل في ما يخص منع إصدار إقرار دين، أو ضمان، أو كفالة على المواطنين الكويتيين لصالح غير الكويتيين.
تتركز تلك التساؤلات حول مدى توافق التعميم مع المبادئ الدستورية، وكذلك مراعاته للقوانين المعمول بها، ومدى صحته كإجراء تنظيمي.
هناك مبادئ أساسية ينص عليها الدستور الكويتي، منها المساواة أمام القانون، وصيانة حقوق الأفراد، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، إذ تشير المادة 29 منه على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الأصل أو اللغة أو الدين".
وفي ضوء هذه المادة الدستورية قد يُفسر التعميم الصادر من الوكيل المساعد لشؤون التسجيل العقاري والتوثيق على أنه تمييز حكومي في المعاملة بين المواطنين والمقيمين، وهو ما يثير جدلاً دستورياً حول انسجام التعميم مع مبادئ العدالة والمساواة، في ضوء تفسير تلك المادة.
وفي سياق مبادئ الدستور قضى القانون رقم 5 لسنة 1959 في شأن التسجيل العقاري بأن المعاملات القانونية المتعلقة بالإقرارات المالية تُنظم بشكل يحفظ الحقوق للأطراف كافة، فهل يتعارض التعميم مع حرية التعاقد التي يكفلها القانون؟
إن منع إصدار إقرارات الدين، أو الضمان، يحدّ من حق غير الكويتيين في تأمين حقوقهم من خلال عقود مضمونة، كما أن مبررات القرار التي ساقها البعض بالحفاظ على المصلحة الوطنية يصطدم، أيضا، بشرط مهم، وهو ألا يُخل ذلك بمبدأ سيادة القانون وتكافؤ الفرص، وقد خلا التعميم من تقديم آليات بديلة لضمان حقوق الطرف الآخر للعقد من غير الكويتيين، مثل ضمانات بنكية، أو اعتماد عقودهم عبر جهات رسمية أخرى، أو غير ذلك مما لا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
وقد يكون لهذا القرار تداعياته السلبية على المناخ الاستثماري بعامة داخل الدولة، بإثارة مخاوف المستثمرين الأجانب بشأن حماية استثماراتهم، أو اثبات ديونهم على الشركاء المحليين، وهو ما يتعارض مع توجهات الحكومة لإعادة صياغة فلسفة الدولة الاستثمارية نحو تعزيز الانفتاح الاستثماري، وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الكويت.
وبناء على ذلك، فهناك حاجة قانونية لتصويب هذا التعميم الإداري، لأن استمراره كما جاء في النص المعلن، يُضعف من حرية التعاقد، ويتسبب في تقييد الخيارات القانونية لفئة معترف بها كطرف في العقود القانونية.
لذلك إذا لم يتم إلغاؤه وهو (الخيار الأفضل)، وجب تصويبه إذا كانت هناك حاجة لاستمرار العمل به لفترة من الزمن، وذلك من خلال إعادة صياغته ليكون أكثر توازناً، بأن يشمل شروطاً معينة، على سبيل المثال، بدلاً من المنع الكامل، وبما يتوافق مع الدستور والقوانين ذات الصلة.
وحتى إيجاد حلول لتلك المشكلة التي خلقها التعميم الإداري غير المدروس، فإن البدائل القانونية المتاحة لغير الكويتيين تتمثل في استخدام الضمانات البنكية، اذ يمكن لهم اللجوء إلى البنوك لتقديم ضمانات مالية بدلاً من الإقرارات، إضافة إلى التعاقد عبر وسطاء معتمدين لحماية حقوقهم، وأخيراً اللجوء إلى التقاضي كإحدى الوسائل القانونية لحماية الحقوق من خلال تسجيل العقود كعقود رسمية قابلة للتنفيذ، في حال النزاع.أخيراً، نؤكد أنه عند إصدار قرارات، أو تعميمات حكومية، أو تعديلات قانونية تتعلق بالمسائل العقدية أو التجارية، بهدف تحقيق المصلحة العامة، فمن الضروري أن تتم موازنة المصالح بضمان حقوق الأطراف كافة، مع تعزيز أدوات الحماية، القانونية والمالية، لطرفي العقد على حد سواء.
محامي كويتي