بدأت تباشير التنمية في البلاد، ونلمس بعضها حالياً، لكن لا بد من الاعتراف أن أمامها الكثير من العمل والجهد، فالمرحلة الماضية تركت الكثير من المشكلات جراء التمصلح، السياسي والانتخابي، وكذلك بيع المشاريع عبر صفقات كانت رائحة الفساد فيها تزكم الأنوف.
لنتحدث بصراحة، منذ ما بعد التحرير لم تشهد الكويت أي خطوات حقيقية لتنمية مستدامة تؤسس لمستقبل يخدم الأجيال القادمة، إنما كانت هناك حركة خجولة يراد منها القول "إننا هنا"، والكثير منها كانت أكلافها أكبر بكثير من القيمة الواقعية، وجرى تأخير إنجازها كي يستفاد من زيادة الأرباح غير المشروعة عبر بدعة "الأوامر التغييرية"، ما أدى إلى تخلف البلاد عن مواكبة المستجدات التنموية في الإقليم.
من المعروف أن فائدة أي مشروع تكمن في سرعة إنجازه، لأن الهدف ليس البناء بحد ذاته إنما رفاه المجتمع، وسرعة وصول الإنسان إلى ما يريد بدلاً من التأخير الذي يفاقم الخسائر، لهذا، فإن الدول تسعى إلى تنمية مستدامة تزيد الإنفاق على المشروع طلباً لاختصار الوقت.
كما أن دولاً كثيرة اعتمدت على القطاع الخاص في التنمية، فأسندت إليه قطاعات كبيرة، منها الاستشفاء، والتعليم، والسياحة والخدمات، واكتفت إما بالإشراف، اتبعت بذلك نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT)، فوفرت على الميزانية العامة، ووظفت الأموال في مجالات أخرى لرفاهية المجتمع.
في الكويت إلى اليوم ثمة قطاعات لا تزال تستهلك الكثير من الأموال العامة، وبعضها أصبح عبئاً على الدولة، إذ تراجعت جودتها كثيراً، ومنها القطاع الطبي، فرغم الأبنية الحديثة لبعض المستشفيات، إلا أنها تفتقر للخبرات، ولهذا هي أشبه بمستوصفات وليست أماكن علاج يمكن الركون إليها، لذا شهدنا في العقود الماضية نسبة كبيرة من الكويتيين يذهبون إلى الخارج من أجل العلاج.
في المقابل، استُغل هذا الأمر بزيادة ما يسمى "السياحة العلاجية في الخارج"، ما زاد التكلفة على المالية العامة، فيما كان الممكن توفير هذه المبالغ.
ولم تكن مرافق الترفيه أفضل حالاً، إذ بعد خضوع الحكومات لبعض النواب وإقفال البلاد، وإغلاق بعض تلك الأماكن، تضخّمت فاتورة السياحة في الخارج إلى مستويات غير مسبوقة.
من هنا، فالمسار التنموي، رغم الحركة المستجدة فيه، لا تزال خطواته بطيئة، ولا يمكن المراهنة عليه في إنهاض البلاد، إلا في حال تصحيح معادلة الوقت أكثر فائدة من المال، بمعنى إذا كانت الدولة تسعى إلى مواكبة الدول المجاورة في نهضتها، فعليها زيادة الإنفاق على المشاريع طلباً لاختصار الوقت، وفي المسار الموازي عليها أن تعتمد على القطاع الخاص، مع رقابة حازمة.
منذ سنوات نسمع عن مشاريع كبيرة، أكان ميناء مبارك الكبير، أو المترو والقطار، أو غيرها... وغيرها، ومع كل حكومة تأتي تبقى تلك المشاريع حبراً على ورق، ويذهب الوزراء ويأتي غيرهم ولا شيء يتغير.
في المقابل، هناك دول عدة في الإقليم تعمل على عملية بناء ضخمة، وهي أن توكل الأمر إلى القطاع الخاص، فيما تراقب وتشرف وزاراتها المعنية، ولا تتكلف الدولة أي أموال.
والكويت إذا كانت ترغب في نهوض حقيقي عليها أن تذهب في هذا الاتجاه، أما أن تبقى على التغني بأمجاد الماضي، فهذا يزيد من تخلفها، وهو ما لا يريده أحد.