تصريحات الرئيس دونالد ترامب، قبل الإنتخابات وبعدها، تطايرت كالشرار، ولم يسلم منها القاصي والداني، من كندا إلى المكسيك، ومن أوروبا إلى الصين، ومن بنما إلى غرينلاند، ولم يسلم العرب كذلك منها، وآخرها تصريحه بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو تصريح خارج ما تعارفت عليه السياسة الخارجية الأميركية بشأن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وخارج المألوف، وقواعد السياسة الدولية، والقانون الدولي.
ومن اللافت للإنتباه، أن إسرائيل لم تطلها تلك التصريحات، ولم تحصل إلا على كل تأييد ومساندة، كما لم تتطرق تلك التصريحات إلى مصير السلام في الشرق الأوسط، وهذا أمر مستغرب.
والمتمعّن في تصريحات الرئيس الأميركي قد يرى في بعض منها منطقاً يتصل بالمصالح الأميركية، لكن بعضها الآخر لا يسنده إلا منطق القوة والدولة العظمى، حتى موضوع تهجير الفلسطينيين الذي شكل تهديدا وجوديا للفلسطينيين، وتهديدا للأمن القومي المصري، وتم رفضه بشكل قاطع من الدول العربية، وقوبل هذا الرفض بعبارة مختصرة "سوف يفعلون".
الرئيس الأميركي ترامب، الذي وصف بأنه من خارج المنظومة السياسية في فترة رئاسته الأولى، وإنه ما كانت له خبرة بأمور وشؤون الرئاسة الأميركية، لم يعد كذلك في هذه الفترة الرئاسية، مما يضع العديد من تلك التصريحات موضع الاستغراب، علاوة على ما يمكن أن يتمخض عنه في علاقة الولايات المتحدة مع العالم.
في مثل هذا المناخ الدولي المليء بالتصريحات والتصريحات المضادة، لا ينبغي أن تكون المنطقة العربية حلقة ضعيفة يسهل تجاوز مصالحها، وانتهاك حقوقها وضرب قضاياها، والطريق الآمن هو بعودة الجميع للعمق الستراتيجي العربي بتوحيد المواقف والتنسيق المتواصل، والوصول إلى نظام أمني عربي يكفل مصالح وأمن جميع الدول العربية.
لا شك أن الإلتزام بالعمق الستراتيجي العربي هو اليوم أقرب مما كانت عليه الحال قبل العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي كان من نتائجه تراجع نفوذ دول إقليمية مجاورة في التأثير على السياسة العربية، وينبغي العمل على استمرار هذا التراجع، وملأ فراغه بدور عربي إيجابي، وفعّال يعزز النظام الأمني العربي.