أصبح الإسكان في البلاد أزمة مزمنة جراء المعالجات الارتجالية، لأن من يضع الخطط، إما أنه غير مقتنع بها، أو يهدف إلى فائدة المتنفذين المستفيدين من ارتفاع أسعار الأراضي، وهوامير العقارات، ما يؤدي إلى إطالة أمد معاناة المواطنين طالبي الرعاية السكنية.
الكويت أول دولة بدأت العمل بنظام هذه الرعاية، إلا أنها تخلفت منذ عقود عن مثيلاتها في الإقليم التي أخذت منها هذا النظام، وعملت على تطويره وفق رؤية تراعي المستقبل، خصوصاً دول الخليج، وبعض البلدان العربية التي حلت المشكلة في غضون سنوات قليلة.
عندنا، تعقدت الأزمة خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب تدخل عوامل عدة، بدءاً من طمع أصحاب العقارات، مروراً بتدخلات أعضاء مجلس الأمة، حين كانوا هم أصحاب الحل والعقد، وسوء اختيار المسؤولين عن هذا الملف، وكذلك عدم استقرار المنصب الوزاري، وإطالة الدورة المستندية في تخصيص المساحات والخلافات المستمرة بين وزارات الإسكان والبلدية والنفط والمالية، وصولاً إلى متطلبات المواطنين غير المعقولة، الذين يسعون إلى بناء بيوت مساحاتها أكثر من حاجتهم.
لهذا، فإن الحلول الواقعية التي عملت عليها كثير من الدول، وكانت ناجحة، لم ينظر فيها عندنا فاستمرت الأزمة، بينما إذا كانت هناك نية للخلاص منها، يمكن حل الأزمة في غضون سنوات قليلة، كما فعلت السعودية والبحرين والإمارات وقطر، وكذلك المغرب ومصر.
في تلك الدول، تؤمّن الحكومة الأرض والخدمات الضرورية، وتضع نماذج بناء عدة لكل منطقة، ولا يخرج عنها المطور العقاري، أو المواطن، ثم تمنح البنوك المتخصصة بالإسكان تسهيلات، وتضمن نصف الفائدة، على أن تمنح المؤسسات المالية القروض وفق خطة زمنية طويلة الأجل، على أن تتحمل الحكومة نصف الفائدة.
هذه المهمة منوط بها وزراء المالية والإسكان والبلدية، وكذلك بنك الائتمان، على أن تسهم البنوك التجارية في هذا الحل، وهي لا شك سترحب به، لأن الناتج سيكون كبيراً على مدى طويل، على أن تتعاون الأسر في التسديد، خصوصاً أن الرعاية السكنية الحالية تقوم على مبدأ تخصيص البيت باسم الزوج والزوجة، إذ وفق التقارير العلمية، فإن حل المشكلة يحتاج إلى نحو 20 مليار دينار.
أما إذا بقي الوضع على ما هو عليه، فلن تكون هناك مساحات كافية للإسكان، لأن الجميع يسعى إلى بناء منزل كبير، يماثل القصور، فيما عملت السعودية، وكذلك الدول الأخرى على نظام الشقق، أي الوحدات الكافية والمريحة للأسرة، ونظام الفلل المترابطة.
كل الدول معنية بتقديم الأرض والخدمات الضرورية، أو تيسير القروض للمواطن، فيما عليه البناء وفق مدة زمنية محددة، وإلا تسحب منه القسيمة، أو أنها تمنح تلك الأرض إلى المطورين العقاريين، وتفرض عليهم بناء نماذج معينة، ثم تمنح المواطن المسكن على أن يدفع ثمنه خلال 30 أو 40 عاماً، مع ضمان الدولة الفائدة، فيما تكون المنطقة مكتفية ذاتياً بكل الخدمات.
إن هذا النظام الحضاري لم يُعمل به في الكويت، لأن القرض الممنوح للمواطن لا يكفيه للبناء لأنه يريد تشييد قصر، أو طوابق عدة من أجل الإيجار، وليس للسكن، لهذا بتنا نرى غابات خرسانية، وليست مناطق حضارية، وكثرت المشكلات الخدمية، لأن المنطقة المخصصة لسكن ألف أسرة أصبحت فيها عشرة آلاف.
حل أزمة الإسكان بسيط إذا كان صاحب القرار الإسكاني على قناعة بتلك الحلول، أما إذا كان يسعى إلى الاستفادة من مركزه أو لخدمة المتنفذين، أو لغاية في نفس يعقوب، فسيبقى ينطبق المثل الشعبي "ردينا على طير يلي" على أزمة الإسكان.