للمرة الأولى منذ 33 عاماً يتخلص لبنان من قبضة "الثلث المعطل" في الحكومة، ويتحرر من فرض القرار الإيراني عليه.
للمرة الأولى، منذ نحو 50 سنة، أي منذ بدء الحرب الأهلية، يخرج البلد من عباءة النظام السوري، ويتخلص أيضاً من تبعات صناعة القرار في دمشق.
للمرة الأولى، يتلمس هذا البلد العزيز على كل العرب طريقه إلى الخروج من نفق الرايات الصفراء والخضراء وغيرهما من الرايات التي طمست العلم اللبناني.
فبعد ما شهدته طريق مطار رفيق الحريري الدولي من شغب، ورد فعل الجيش عليه، بدأ يشعر اللبناني أن عافية الهيبة عادت إلى المؤسسات، وأن تفتيش الطائرات الإيرانية، ومنع هبوطها في مطار بيروت كانت أولى الخطوات لقيامة لبنان، وأن التخلص من الاحتلال الاسرائيلي لن يكون إلا بوحدة اللبنانيين، وليس محتكراً لطائفة واحدة.
لقد أصبح للجمهورية رئيسها، وكذلك هناك حكومة اختصاصيين، والجميع يعمل بما يمليه عليه ضميره الوطني، وهم فوق الطوائف والمذاهب، وقادتها، لذا بدأ الارتياح العربي يعود تدريجياً إلى أن بيروت تتلمّس طريقها للعودة عاصمة الجمال والثقافة والعروبة والفرح.
اليوم، منذ سنوات طويلة، لا يرى الزائر لبيروت صور قادة "حزب الله" ومسؤولي نظام طهران، والرايات الصفراء التي صبغت وجه لبنان بلون الموت، والدمار، فطريق المطار الدولي كانت مثالاً عن لبنان المظلوم من بعض أبنائه الذين احتكروا قرار بعض الطوائف وفرضوا إرادتهم عليها.
لذا، بدلاً من أن تكون الكفاءة الأساس في المناصب، كما أرادها فؤاد شهاب، أصبح الانتماء المذهبي والطائفي، والحزبي عنوان الإدارة، فتحول الفساد مؤسسة أدت إلى إفقار اللبنانيين جميعاً، ما عدا أصحاب النفوذ الذين استقووا إما بالخارج على الداخل، أو بالرشوة والنهب.
لذا تحول هذا البلد من مطبعة العرب إلى مصنع "كبتاغون"، ومن مُصدّر للثقافة إلى تهريب المخدرات إلى العالم، خصوصاً إلى دول الخليج العربية، وبات كأنه مصاب بالطاعون، يرفض العالم كله التعاطي معه، لذا وضع حجر عليه لعقود عدة.
نعم، بدأ يخرج من كان سويسرا الشرق من الحجر السياسي العربي والدولي، ويعود جوهرة طمرتها الصراعات الإيرانية وبعض العربية والدولية، إلى اكتشاف ذاته، لذا فرح العرب، خصوصاً الخليجيين، ومن لديهم أملاك في ربوع جباله ومدنه من العودة إليه، مستبشرين خيراً برئيس جمهورية أتى من الميدان العسكري، ليحقق شعار جيشه "شرف، تضحية، وفاء"، ورئيس حكومة أتى من أعلى المناصب القضائية العالمية ليقيم العدل في بلده.
كل هذا يبشر بالخير، لكن يبقى أن يلتزم الرئيس جوزاف عون بخطاب القسم، ويعمل مع الدكتور نواف سلام، على قانون انتخاب عصري يصحح الخلل في مجلس النواب، ليأتي المشرّعون برئيس عظيم للبرلمان كي تكتمل قوائم الحكم الثلاث، ولتعود حيوية المؤسسات، فيخرج لبنان من الثلث المعطل في مجلسه التشريعي أيضاً، إذ لديه مهمات كبيرة في المستقبل المنظور وورشة تشريعية هائلة، ليبدأ الإصلاح الاجتماعي قبل المؤسسي، والمالي قبل الاقتصادي، فتعود سويسرا الشرق اسماً على مسمى.