عندما يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن اللقاء بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون في الرياض، وإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيحضر هذه القمة، فهذا يؤكد دور المملكة الكبير حالياً في هذا العالم، إنه أساسي في بلورة الحل لواحدة من أصعب الحروب التي شهدتها السنوات الأخيرة، وكانت من الممكن أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
نعم، إنه أمرٌ مفرحٌ لكل الخليجيين، تحوُّل الرياض ملتقى للسلام، فبمجرد استضافتها قمة من هذا النوع، فإن ذلك يوازي في الأهمية "قمة فرساي" لإنهاء الحرب العالمية الأولى، وكذلك "قمة يالطا" بين ستالين وتشرتشل وروزفلت التي وضعت فيها خريطة العالم الجديد بعد حرب أودت بحياة عشرات الملايين، واستخدمت فيها للمرة الأولى القنابل النووية.
لا شك أن نتائج "اتفاقية يالطا" كانت قائمة، بشكل أو بآخر، حتى اليوم الذي اندلعت فيه الحرب الروسية - الأوكرانية، حينها بدأت مرحلة جديدة دولياً، لذا أن تكون المملكة العربية السعودية المكان الذي تعقد فيه القمة بين رئيس أكبر دولة، والقوة الثانية عالمياً لإنهاء هذه الحرب، فإن ذلك يؤكد أن النظرة إلى المنطقة تغيرت كلياً، إذ بعد أن كانت الدول العظمى تجتمع على تقسيمنا، كما حدث في العام 1916 عندما أقرت معاهدة "سايكس - بيكو" بين فرنسا والمملكة المتحدة، وبمصادقة الإمبراطورية الروسية، آنذاك، وإيطاليا، على اقتسام المنطقة، اليوم اختلف الأمر، وباتت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية قطب الرحى عالمياً،
فعلى ماذا يدل ذلك؟
أولاً: يؤدي إلى زيادة قوة هذا المجلس.
ثانياً: أهمية السعودية بوصفها مملكة العالمين العربي والإسلامي، ففي القمة المرتقبة لن يقتصر الأمر على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، إنما إلى تقاسم جديد للنفوذ في الشرق الأوسط، والعالم.
ثالثاً: وضع حلول للأزمات التي تواجه بعض المنطقة، خصوصاً لبنان وسورية والعراق واليمن، وغيرها من البلدان التي مرت خلال 15 عاماً بالكثير من القلاقل والحروب، وكادت تغير وجه الإقليم برمته، لا سيما أن الحرب الأخيرة بين اسرائيل وقوى تدعمها إيران أرخت بظلالها على الأوضاع العربية، ووضعت المنطقة في ما يشبه الأتُون الذي يحرق الأخضر واليابس.
في كل هذا كانت الجهود السعودية، أكان في الإقليم، وكذلك منذ بدء الحرب في أوكرانيا، تمارس دور الإطفائي، كما أنها عملت على تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتحاربين الروسي والأوكراني، وقد نجحت مرات عدة في الاتفاق على تبادل الأسرى بينهما، وهذه خطوة موفقة، إذ أثبتت فيها الرياض أن لها من القوة الناعمة ما يؤهلها لتأدية أدوار عالمية مهمة، وكذلك لها حضورها، ومعها دول "مجلس التعاون" في القضايا الصعبة.
اليوم يشعر المواطن الخليجي أن بلاده انتقلت من دور المتلقي إلى الفاعل في التسويات العالمية، وهذا بفضل الرؤية التي وضعها خادم الحرمين الشريفين، وكذلك ولي عهده، في استخدام الديبلوماسية مكان لغة العنف، ما يعني أن مملكة العز والعروبة هي صانعة السلام في العالم، وأن القيادة السعودية "حلّالة الصعايب".
لذا، فالشكر كل الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده المبهر الأمير محمد بن سلمان.