الأربعاء 05 مارس 2025
15°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
محمد السادس... أصبت يا ملك القلوب
play icon
الافتتاحية

محمد السادس... أصبت يا ملك القلوب

Time
الثلاثاء 04 مارس 2025
View
6440
أحمد الجارالله

أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس، قبل أيام، قراراً بمنع ذبح الأضاحي هذا العام، بسبب الجفاف الذي أثر على الماشية في بلاده، إذ انخفضت بنسبة 38 في المئة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار اللحوم، خصوصاً على ذوي الدخل المحدود والمتوسط.

وبوصفه أمير المؤمنين، فإن من صلاحياته إجراء ما يخدم شعبه وبلاده، ولأنه ملك، أيضا، عليه السعي إلى إبعاد المغربيين من أي أزمة يمكن أن تؤثر على وضعهم المعيشي والاقتصادي، والاجتماعي.

وفي هذا الجانب لا بد من القول إن ثقافة الأضحية عند أهل المغرب مختلفة عنها في المشرق العربي، لاعتبارات اجتماعية عدة، إذ العادة هناك أن الفقراء يسعون إلى ذبح الأضاحي، دون اعتبار لوضعهم المالي، وهو ما يكلفهم الكثير من المال، لذا أحيانا يبيعون بعض أثاث منازلهم لإقامة هذه الشعيرة، فالعادات الاجتماعية، وتقليد الآخرين، تسبب حرجاً لهم، فيحاولون إظهار أنفسهم أنهم ليسوا أقل مستوى من غيرهم.

لذا حين يكون سعر كيلوغرام اللحم بين 100 و 150 درهماً (بين 10 و15 دولاراً أميركياً) فهذا يؤدي إلى عجز في ميزانية الأسرة، في الأيام العادية، فكيف الأمر في عيد الأضحى والمناسبات الاجتماعية، حين يكثر الطلب على الماشية، ما يزيد من الأعباء المعيشية والاجتماعية على المغاربة؟

وفي المناسبة ليست هي المرة الأولى التي يصدر الأمر الملكي بمنع ذبح الأضاحي، والاكتفاء بأضحية أمير المؤمنين، ملك القلوب، ففي عهد المغفور له، الملك الحسن الثاني، رحمه الله، أوصى بعدم ذبح الأضاحي ثلاث مرات في أعوام 1963 و1981 و1996، وكانت الأسباب ذاتها.

فمن المعروف أن عدداً لا بأس به يذبح أكثر من أضحية للتباهي، وهناك شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود يستدينون، إما من المرابين أو البنوك ثمن الأضحية، ويدفعون على ذلك فوائد، وبعدها يقسطون الدين، وهذا مكلف.

ففي العقود الماضية، خصوصاً في عهد الملك الحسن الثاني، رحمه الله، وصل سعر الأضحية إلى ما بين 200 و 300 درهم، وهو ملبغ كبير في تلك الأيام، بينما اليوم وصل السعر إلى ما يزيد عن 600 درهم ويصل إلى عشرة آلاف درهم، وهذا أيضا مبلغ لا يمكن لجميع المغاربة توفيره لمناسبة من هذا النوع، عدا الموسرين.

أيضاً، من الناحية الشرعية فإن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، وأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها، ويكون مالكاً لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية، وهي تقدم للفقراء والمحتاجين، وليست للتباهي.

فالله، عز وجل، قال في محكم التنزيل الكريم: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"، وكذلك قال سبحانه: "يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا"، لذا فإن التخفيف عن الناس مهمة الحاكم، والملك محمد السادس، دام عزه، أراد بذلك وفقاً لما قال في بيانه الملكي: " أخذاً بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود".

ولأن العزيز الجبار "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، فإن محمد السادس أراد التيسير لشعبه، وليس العسر، وهذا لا شك حكمة بالغة من ملك يراعي ظروف شعبه حتى في أدق التفاصيل.

[email protected]

آخر الأخبار