الديوانية منذ الأزل في الكويت لها خصوصية عند الجميع، لكنها في شهر رمضان تتميز بتقاليد محببة، إذ يحرص الناس على ارتيادها من أجل الاطمئنان على بعضهم بعضاً، وتفقدهم، وكذلك الاستمتاع بتبادل الآراء، إذ من المعروف أن الدواوين برلمان صغير، لها دور اجتماعي وسياسي كبير.
كان زوار الديوانيات في السنوات الماضية كبار السن، وقلما حضرها الشباب، لكن هذه السنة امتازت الديوانيات بحضور لافت لشباب بيت الحكم، وغالبيتهم ممن يتمتع بثقافة عالية، وحضور لافت، وهذا ما يسعد المرء في تبادل الحديث معهم، والاطلاع على رأيهم، فيما كان أغلبهم فتح ديوانه للمرة الأولى هذه السنة.
إن هذه الميزة تعبر عن اهتمام هؤلاء الشباب بالتواصل مع طبقات المجتمع كافة، أياً كان أفرادها، فالتواصل مع الناس أساس معرفة مشكلات وهموم العامة، وكذلك صفة حميدة للمؤهل لشغل منصب على صلة بالناس، فأهل الحكم إذا انعزلوا عن شعبهم فقدوا الهيبة والحضور، وهذه صفة غير حميدة.
لهذا، منذ قرون تحرص كل الأُسر المالكة في العالم على أن تؤهل نحو سبعة أجيال من الحكام، لأن الاستمرارية في الحكم هي الأساس، وكذلك تحرص على أن يندمجوا في المجتمع منذ نعومة أظفارهم، وفي الوقت نفسه يتلقون أفضل تعليم.
في بعض الدول المَلكية أُسست مدارس خاصة بهم، لمراحل ما قبل الجامعة، ومن ثم يندمجون في التعليم العالي مع العامة، وفي الوقت نفسه، يتدربون على تقاليد الحكم، فلا يتولون أي منصب بلا خبرة، لذلك تجد بعض أمراء الأسر المالكة الأوروبية يعملون منذ بداية حياتهم في وظائف، أو يدخلون الجيش برتب صغيرة، ويتدرجون فيها كي يصبحوا في مناصب عليا، فالملكة البريطانية إليزابيث الثانية عندما أصبحت في الثامنة عشرة من عمرها بدأت حياتها العسكرية برتبة ضابط صغير، وتعلمت ميكانيكا السيارات، وقيادة الشاحنات، وسيارات الإسعاف، خلال الحرب العالمية الثانية.
غيرها الكثير من الأمراء الأوروبيين، حتى بعض الدول المجاورة، كانت بيوت الحكم فيها حريصة على الارتقاء بشبابها، لذا أسست مدارس خاصة بهم، لكنها لم تعزلهم عن المجتمع أبداً، فالأساس هو الرعاية والعمل على جعلهم قدوة اجتماعية، وأيضاً أن يكونوا مدربين على الحكم، حتى إذا شغر منصب ما يكون هناك من يشغله، من المؤهلين، من دون أي مشكلة.
الإنفاق على التعليم للعامة له فائدة عظيمة، لأنه يؤهل الأجيال للاعتماد على أنفسهم، وإنفاقه على أعضاء الأسرة الحاكمة في سبيل التأهيل والتعليم من أكبر الفوائد، وعلى القاعدة هذه بُنيت غالبية تقاليد الأُسر المالكة لأنها تعبر عن اهتمام بالغ بتأهيل عناصرها للعمل في أصعب الظروف، وكذلك كي يكون قريباً من شعبه وأهل بلاده، فلا ينعزل عنهم، فمهمته الأساسية تقوم على المواءمة بين العام والخاص.
الأُسرة الحاكمة لها خصوصيتها عند أهل الكويت، فالجميع يؤمن بالتواصل مع أفرادها، وأن يكون الوئام بينهم وبين عامة الناس، فهؤلاء حكام المستقبل، والواحد منهم يجب أن يكون مُهيَّأ، وعلى دراية بالشؤون العامة، ولا يمكن أن يتم ذلك من دون تدريب وتعليم، وهذا يحتاج إلى مال كثير، والدولة لا يجب أن تبخل في هذا الشأن.
إنفاق الدولة على أفراد الأُسرة المالكة له أهمية كبيرة، ففي الكويت، مثلاً، أن المذكرة التفسيرية للدستور تمنع على أعضاء بيت الحكم الترشح للانتخابات، كي لا يزاحموا الشعب على التمثيل البرلماني، فمن التقاليد التي كانت سائدة منذ عقود، يُمنع على أعضاء الأُسرة الحاكمة العمل في التجارة حتى لا يستغلوا وجاهتهم و"شيختهم" في مزاحمة الناس على أرزاقهم، لأنهم حكام المستقبل، لهذا، المطلوب الاعتناء بشباب الأُسرة الحاكمة، وإنفاق المزيد من المال على تأهيلهم وتدريبهم، وتعليمهم.
الكويت مالها وفير، ويجب أن يكون رجالها أوفر، والمال في غياب العزة والسؤدد مالٌ لا ينفع.