مختصر مفيد
يهدد الرئيس ترامب الوضع الدولي بشكل مخيف، وخطير للغاية، ويتدخل في الشؤون الداخلية للدول، إذ طلب من كندا الانضمام الى الولايات المتحدة كولاية 51، وأراد شراء "غرينلاند"، واحتلال قناة بنما، وبلغ الأمر به انه يتدخل في اختصاص قاضٍ برازيلي يريد القبض على رئيس البرازيل السابق بولسينارو.
كما ان اوروبا الحليفة مستاءة من قراراته السياسية، فالمفروض كما كانت الحال دائماً، ان يكون الأوروبيون والاميركيون في مواجهة ضد روسيا، لكننا نراه يؤيد بوتين ضد أوكرانيا.
وفي كل يوم يصدر قرارات عجيبة، بل وعنيفة ستزعزع الوضع الدولي، وفرض رسوما جمركية على الواردات، وقد نسمع منه في القريب العاجل تهديداً للدول العربية، وتدخلاً في شؤونها الداخلية.
ترامب لم يقترح، بل قرر، تهجير الفلسطينيين من غزة لإعمارها، ليصبح ساحلها جاذبا للسواح، ولما اجتمع العرب في مصر لتطويرغزة، رفض قراراتهم، وأثارت أفعاله ردود كثير من الكتّاب، فيقول الكاتب وليام غالستون في صحيفة "وول ستريت جورنال" ان "ترامب يرى ان من يملك القوة هو على حق عند التعامل مع الآخرين، وان كان لديك نفوذ فاستخدمه الى أقصى حد".
ويقول الكاتب سيمون تيسدال في صحيفة "غارديان" البريطانية: "ترامب يبدو غاضباً باستمرار، ويقول أي شيء يخطر في باله، ولا يحترم إلا السلطة والمال، هل هو مريض عقليا"؟
وفي مجلة "فورن بوليسي" يقول الكاتب رافي أرغوال: "يلقي ترامب باللوم على رئيس أوكرانيا قائلا له سوف تسبب حرباً عالمية ثالثة، ولا يقول ان بوتين هو سبب حرب أوكرانيا".
لقد كتبت مقالة مفصلة عن تلك الحرب، لكنني هنا سأختصر الأحداث بشدة:
كانت الدولة العثمانية قد احتلت شبة جزيرة القرم، شرق أوكرانيا، ولما حل الضعف بالأتراك انقض الروس محتلين القرم في عام 1771، وأقاموا فيها قاعدة بحرية لاسطولهم العسكري البحري المطل على البحر الأسود، لكن أوكرانيا استقلت فيما بعد عن الاتحاد السوفياتي.
إذا نظرنا الى أوكرانيا نجد ان القسم الشرقي منها يتعاطف مع روسيا، والقسم الغربي يشترك بحدود مع دولٍ أوروبية، لذلك كانت عواطف الاوكرانيين منقسمة بين الشرق والغرب.
قبل سنوات، خول البرلمان الروسي الرئيس بوتين بإنزال قوات عسكرية في القرم، لحماية أرواح المواطنين الروس، وبهذا أعادت روسيا احتلال جزء من أوكرانيا، لأنها تعتبر أوكرانيا بلداً مهماً لأمنها الوطني، فهي تسيطر على منفذ روسيا إلى البحر الأسود، ومن ثم الى البحر الأبيض المتوسط، واوكرانيا أيضاً طريق حيوي تمر عبره أنابيب النفط الروسي الى أوروبا، لأن الطاقة (الغاز) أصبحت أداة للتأثير والتحكم في الدول الاخرى، واوروبا متعطشة للطاقة ما يضعها في موقف الاعتماد على روسيا، ويتيح لروسيا ان تمارس الضغط على اوروبا.
اتهمت روسيا اميركا وبريطانيا بأنهما كانتا تbحرضان الاوكرانيين على المطالبة بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ومحاولة جر اوكرانيا نحو حلف الـ"ناتو"، فرأت روسيا في هذه الممارسات الغربية محاولة لتطويق وتحطيم الاتحاد الروسي.
لذلك تحاول دفع حدودها ناحية الغرب بقدر ما تستطيع لخلق منطقة عازلة.
فبعد الحرب العالمية الثانية دفعت روسيا حدودها الى وسط ألمانيا، واليوم تراجعت الى الشرق، فتسعى الى دفعها ناحية الغرب بقدر الإمكان، فدول الـ"ناتو" مثلاً كانت بعيدة عن بيترسبيرغ الروسية نحو 1600 كيلومتر، لكنها أصبحت موجودة بمسافة أقل من 150 كيلومتراً عن الحدود الروسية، كما ان ستراتيجية الرئيس بوتين هي زيادة قوة روسيا، لا ان تكون بموقف دفاعي، فالقوى من حولها قوية للغاية، ما جعل روسيا تسعى الى تحقيق شكل من السيطرة على أوكرانيا، لتكون بمثابة منطقة عازلة بين روسيا والآخرين، حتى لا تتحكم في أوكرانيا قوى معادية لروسيا تهدد الأمن الروسي.
سياسة روسيا الخارجية في هذه المسألة جعلت الاتحاد الأوروبي متماسكاً، وكذلك حلف الـ"ناتو"، إن كان لي من رأي، فأعتقد ان ترامب لن يستمر كرئيس.
[email protected]