"مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ" (صدق الله العلي العظيم).
شرع الله الدين ودعا الناس في الآية الكريمة (122 من سورة التوبة) في قوله: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ"، فهذه الاية الكريمة وفق ما جاء في تفاسير الأولين قولهم: إن الله دعا المحاربين الا يذهبوا الى القتال جميعا، ويتركوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وان يبقوا مع الرسول ليتفقهوا في الدين، ولعل هناك تفاسير ومعاني كثيرة والاختصار هو التفقه في الدين، بمعنى تعلمه.
من هنا نفهم ان نشره على الناس يأتي من خلال التفرغ في الدين وتعليم الناس الآيات، وما يتوجب على المسلم من واجبات دينية، فاهل الحرب للحرب، واهل الدين التفرغ للدين، وشرح الآيات، وما يتوجب على المسلم من واجبات.
لذا، يتجمهر الناس خلف منابر رجال الدين الفقهاء، حتى يشرحوا لهم الواجبات المنوطة بالمسلم، ويتفرغ الاخرون في معيشتهم، وكسب رزقهم، بما معناه التخصص، لكن في الزمن الحاضر ما نراه أن الناس اصبحوا سياسيين وعلماء واطباء ومفسري احلام، يدلون في امور يجهلونها، ولا يرون ما يخفى خلف القضية.
لقد اختلت الموازين فاصبح الكل سياسياً، مثلاً، يدلي بحكمه في امور هي قاصرة عن فهمه، فنحن كأناس عاديين بعيدين عن حقيقة ما يدور خلف الكواليس من امور، او ما يجري في دهاليز السياسة، الامر الذي قد يرى بعضنا بخلاف ما ينبغي حدوثه واتخاذ قرار يطابق رأيه تماما، مثلما يجري من خلاف او شجار بين زوج وزوجته خلف ابواب مغلقة، فيصلون الى الطلاق او الى وفاق.
بخلاف اتفاق او قرار الزوجين نشرع من انفسنا قضاة، لكن من دون علم، وهذا ما نراه في عصرنا الحاضر، وبذلك لعلنا ضحايا الاعلام المضلل الذي اغلبه، بل كله، لا يخدم الحقيقة، التي نحن الناس العاديين نريدها غير ما يريدها اهل السياسة، لذلك كانت دائما السياسة لعبة الامم، ونحن الشعوب ضحاياها.
الشيخ عثمان الخميس هو رجل منبري وفقيه، يجيب عن اسئلة السائلين الدينية، وقد اشتهر بذلك، وقد يصيب او يخطئ، او قد يختلف مع اخرين من اهل الذكر، وقد يبدو ان الشيخ يسن سنة جماعات السلف، بخلاف جماعات "الاخوان المسلمون"، وزج هؤلاء وهؤلاء انفسهم في السياسة، ما جعله ان يتعصب لرأي السلف في حرب غزة على "الاخوان"، فكثيرون، وليس الشيخ الخميس، وحده قد عابوا على قادة "حماس" الهجوم المباغت على اسرائيل فجر السابع من اكتوبر 2023، ما ادى الى مأساة في غزه واهلها، من قتل ودمار وهدم للبيوت، وجوع وحرمان.
وقد اخذ بعض العرب، حكومات شعوبا، مواقف غير معلنة، او معلنة، تترجم معارضتهم لحرب "7 اكتوبر"، واول المعارضين جاء من داخل فلسطين، حين اعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من داخل مقره في رام الله معارضته الشديدة لهجوم "حماس" المباغت على تل ابيب.
إن للسياسيين لغة ولرجال الدين لغة، ولعوام الناس لغة، رغم ان هؤلاء الاخيرين ضحية هؤلاء واولئك، لذلك وجدنا تلك الكمية من الهجوم على الشيخ الخميس.
لقد قال السيد المسيح (عليه السلام) حكمته الازلية التي لا تزال حية: "أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ"، وهذا يلخص المطلوب من عوام الناس، ومن لا شأن لهم في امور، وقضايا السياسة وقد قيل السياسة نجاسة، وما اجمل لو نحن كمواطنين ان نبتعد عن امور وقضايا لا نفهم او بعيدة عن فهمنا، وان نتفرغ كل في عمله.
صحافي كويتي
[email protected]