الأربعاء 19 مارس 2025
22°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
دارَ بلدان العرب ولم يجد من يحفظ الخبز والملح
play icon
الأخيرة

دارَ بلدان العرب ولم يجد من يحفظ الخبز والملح

Time
الأربعاء 19 مارس 2025
View
4680
أحمد الجارالله
حديث الأفق
  • البغدادي أكل نصف الرغيف وترك الآخر لصاحب النخوة
  • أبت كرامة الشامي أخذ المال كمتسول من صديقه
  • فُتن البغدادي بابنة عم الشامي فزوّجه إياها رغم حبه
  • لم يقبل بأن يرى صاحبه في وضع سيئ فاحتال لإنقاذه

الوفاء شيمة الإنسان الذي يخاف ألا يظلم أحداً، وقديماً قالوا: "إذا خليت بليت"، والمقصود من ذلك أنه إذا خليت الدنيا من الأوفياء خربت، وفي هذا أن نكران الذات والإيثار يزيل أعظم الأحقاد، ويعبر عن الأخلاق الحميدة، وفي الأسطر التالية قصة عن قوة الوفاء بين الناس:

في زمن ما دخل رجلُ غريب إلى مطعم في الشام، وطلب رغيف خبز، أكل نصفه وترك النصف الآخر على الطاولة وخرج، وكان يأتي يومياً، ويفعل الأمر نفسه، فانتبه إلى تصرفه رجلُ من أهل الشام، فاقترب منه، وبعد السلام والتحية، سأله بكل أدب: أخي لماذا تأكل نصف الرغيف كل يوم وتترك نصفه، ومن أين أتيت؟

أجاب: أنا من بغداد، ودرت كثيراً في بلدان العرب، ولم أجد - للأسف - من يحفظ الخبز والملح والزاد، وأحرص على أكل نصف الرغيف فقط، ولا أجد من يستاهل أن يأكل نصفه الثاني".

قال الشامي: إذاً أنت اليوم معزوم عندي في البيت.

وجاء الموعد، وكان الشامي يعيش في بيته مع أمه وابنة عمه المتوفى، التي يحبها وأوشك على الزواج بها.

وحين طرق البغدادي الباب، فتحت له ابنة عم الشامي، ولما رآها فُتن بها، وبعد الغداء قال البغدادي لصاحبه: "أريد أن أستحلفك بالخبز والملح والزاد، ألا ترد طلبي من الفتاة التي فتحت الباب".

رد الشامي: "إنها ابنة عمي التي توفي والدها".

قال الضيف: "أريد أن أتزوجها".

لم يستطع الشامي الرفض، أو حتى توضيح الأمر، فقال لضيفه، مع أنه يحبها: "هي لك".

سافر الرجل مع عروسه ليعيشا في بغداد، وبعد فترة من الزمن ماتت أم الشامي، وفقر الرجل فاضطر لبيع بيته، ليأكل بثمنه، وقلّت النقود، ولم يبق عنده إلا شيء يسير، فقرر أن يسافر إلى صديقه، وزوج ابنة عمه، وحين وصل إلى بغداد علم أن صديقه أصبح من أثرياء المدينة ولديه قصر فيها، فتوجه إليه وطلب من الخادمة مقابلة صاحب القصر، فعادت الخادمة تحمل كيساً من النقود الذهبية، وأعطته إياه.

فقال لها: "أنا أريد مقابلة صديقي، ولا أريد مالاً، ورمى كيس النقود، فانفرطت العملات الذهبية على الأرض، وذهب والدموع تملأ عينيه".

اكتشف الشامي أن نقوده نفدت، ولم يعد معه ثمن العودة إلى الشام، فأصبح ينام في الشوارع، وليس لديه شيء سوى الصلاة والدعاء للباري عز وجل أن يفك كربه، ويلهمه الصواب.

لم تمر أيام حتى أتاه رجل كبير وسأله عن حاله، فقال: "إنني لا أجد قوت يومي"، وحكى له كل قصته، فعرض عليه الرجل أن يعمل معه في التجارة، وفعلاً بدأ الشامي في العمل، وتعلم جميع أسرار المهنة، وأصول الأسواق، وكل ما يفيده في عمله، إلى أن أصبح خلال ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، من أثرياء بغداد، وبنى قصراً كبيراً ينافس قصر صديقه.

وذات يوم، جاءت امرأة كبيرة، وطلبت من الشامي أن تعمل على خدمته في القصر مقابل معيشتها، فوافق، وكانت له أماً حقيقية، وبعدها قالت له: "إن هناك فتاة فقيرة تريد العمل معها في القصر"، فوافق بقلبه الطيب، وبدأت المرأة تزين الفتاة وتلبسها الثياب الجميلة إلى أن رآها الشامي، وتعلق بها وأحبها، وطلب الزواج منها، وسهلت له الأمور المرأة الكبيرة، وتحدد موعد الزفاف في القصر، وتمت دعوة كبار التجار والأثرياء إلى الحفل، لكن فجأة دخل الرجل البغدادي قصر صديقه الشامي ليلة الزفاف، رغم عدم دعوته؟

قال له الشامي معاتباً: "أتيت إلى زيارتك، فبعثت خادمتك بكيس النقود الذهبية، وكأنني متسول والآن ماذا تريد؟"، وحاول أن يطرده من حفل الزفاف.

فرد البغدادي: "عندما أبلغتني الخادمة، نظرت من شباك القصر، ورأيت حالك التي أتيت بها، فأرسلت لك النقود لتصلح بها حالك أمام ابنة عمك، التي زوجتني إياها، وأنت كنت تحبها، وحين وجدت أن كرامتك أبت عليك أخذ النقود احترت ماذا أفعل من أجلك".

أضاف: "لكن هل تعلم من الرجل الكبير الذي علمك أصول وأسرار التجارة؟ إنه أبي، والمرأة التي تخدمك في بيتك حتى الآن هي أمي، واليوم أنا جئت إلى قصرك لأحضر عرس أختي التي ستتزوجها".

ثم أشار البغدادي بيده، فدخلت ابنة عم الشامي تجر في يدها طفلاً وطفلة، واقتربت من ابن عمها الشامي، وجلست عند قدميه، وجاءت العروس فجلست قربها، وجلس البغدادي معهم، وكذلك فعل الشامي، وهنا أخرج البغدادي من جيبه نصف رغيف وقسّمه على الجميع... فأكلوه.

إنه الخبز والملح والزاد، ومن الأخلاق الحميدة ألا نلقي حجراً في البئر التي شربنا منها، وكم نحن بحاجة في هذا الزمن إلى من يحفظ خبزنا وملحنا وزادنا.

نكشات
  • الأيام تجري وبسرعة، ونحن نفرح بسرعة انقضائها، والآن اقترب رمضان من الرحيل، لكن ما أسرع أن يعود، المهم أن نكون أحياءً ولسنا أمواتاً.
  • كلما تقدمنا في العمر ضعف البصر، واتضحت الرؤية. يقول الفاهمون لا تنشغل بمن أساء إليك، فلن تجاريه، إنما يشغلني من أحسن إليَّ، كيف أجازيه.
  • تمنيت "زين الشهور" رمضان شهرين، وليس شهراً... شهر الود والوئام والتزاور وغض النظر عما مضى من الكره والضغينة.
  • إننا أمام عهد إصلاح القوانين... 900 قانون تدار بها الدولة، أغلبها، إن لم يكن كلها، شاخت، وهرمت وتراجعت، وتحتاج إلى غربلة.
  • "نزاهة" نازلة بإحالة الفاسدين والحرامية إلى القضاء، لعل الله يريد بنا خيراً.
  • وزراء ومسؤولون يسرقون ويرتشون، وهم أيضاً يقررون ما هو باطل... الله المستعان.
آخر الأخبار