وجهة نظر
يعتبر التحكيم من أقدم الوسائل التي ابتكرها الإنسان، لفض ما قد ينشأ بينه وبين الآخرين من منازعات.
وقد عرف العرب التحكيم قبل الإسلام، ولعل أهم حادثة جرى فيها التحكيم هو اختلاف العرب في رفع الحجر الأسود، ووضعه في مكانه في البيت العتيق، الذي حكم فيها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قبل البعثة.
ومع تطور الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية، وتسارع التطورات الإدارية والتنظيمية، ظهر التحكيم كآلية فعالة يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم، بشكل سريع وعادل وفعال، مع تمتعهم في ذلك بمرونة وحرية لا تتوافر عادة في المحاكم.
وتبدو أهمية هذه الآلية في مجموعة من المنازعات، مثل منازعات التجارة الدولية وحماية المستهلك، والملكية الفكرية وغيرها من المجالات.
ورغم أن التحكيم فرض نفسه في الواقع، بحيث أصبح آلية اعترفت بها معظم الأنظمة القانونية المختلفة، بل نشأت مراكز وهيئات على المستويات، المحلية والإقليمية والدولية، للاضطلاع بهذه الالية في فض المنازعات، وانتشرت هذه المؤسسات في مختلف دول العالم، مثل مركز التحكيم التابع لغرفة التجارة بدولة الكويت، ومحكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولي في باريس، ومركز التحكيم التجاري لدول الخليج.
ووضعت لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية (الانيسترال 1985) القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، كما نظم المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة إبرام اتفاقية نيويورك في 1958/6/10 بالاعتراف، وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، وانضمت إليها دولة الكويت بالمرسوم بالقانون 10 لسنة 1978 في 1978/3/26، وكذلك تطوع القضاء في كثير من الدول للأخذ بيد التحكيم ليؤدي دوره كوسيلة موازية للقضاء في حسم المنازعات، ليخفف عنه كثير من الأعباء، ويبقى في كل حال تحت رقابته.
وقد حرصت دولة الكويت مُنذ فجر استقلالها، واكتمال النظام القضائي الحديث فيها، بالأخذ بنظام التحكيم في قانون المرافعات، وأفرد له بابا للتحكيم في المواد المدنية والتجارية، وذلك إيمانا، من المشرع الكويتي، بأهمية ذلك النظام، واعتباره نظاما موازيا للمحاكم، وأداة السلطة القضائية التي تكفل حق المواطن الدستوري في التقاضي، فأتاحت للخصوم حق اللجوء إليه في فض منازعاتهم، بطريقة مبسطة، وفق قواعد قانونية محددة وبأحكام لها.
سيد هاشم جعفر يحيى
كلية الدراسات التجارية - تخصص قانونز