شفافيات
في معرض كتابتنا عن الجالية الحضرمية المميزة في دولة الكويت، استكمالا لمشوار قديم كنت كتبت فيه كثيرا عن الجاليات التي تعيش في الكويت، والتأثير الثقافي والعلمي، والحضاري والسلوكي المتبادل بين هذه الجاليات، وبين المجتمع الكويتي اعود الى قصة ذلك الحضرمي الذي اشتهرت قصة امانته بسبب انقاذه لسبعين كيلوغراما من الذهب في محل للذهب، كان يشتغل فيه قبل الغزو، وقد دخل القصة ما هو عيب القصص وعيبها رواتها كما يقولون؛ وقد ارسلها لي احد الاخوة الحضارم، يقصها صاحبها كما هي دون اضافات الرواة، ونسج خيالاتهم ما يضفي عليها حيثيات ابعاد، لم تكن في الحسبان، وقد اردت توثيقها من صاحبها دفعاً للبس الذي اصاب الرواية.
يقول صاحب القصة الحضرمي سالم مبارك باسباع (بو عبدالله) في شريط فيديو متلفز: انه في صبيحة يوم الاحتلال العراقي الآثم على دولة الكويت، استيقظ من النوم مثل غيره من الناس، لم يعلم بحدوث الاحتلال، ووصول القوات العراقية الى قلب العاصمة، حيث تم تطويق سوق الذهب، الذي يعمل في أحد محاله.
وعندما وصل الى هناك، وكان عرف بحدوث الاحتلال، قدم الى السوق حيث برز له ضابط عسكري عراقي، وسأله عن سبب وجوده في هذا المكان.
فقال انه يعمل في أحد هذه المحال التي تبيع الذهب، فاستوثق منه الضابط بطلب هويته، ثم سمح له بالدخول الى محله بعد ان احضر له سبعة جنود مدججين بالسلاح، يراقبونه ففتح سالم خزائن الذهب، واستخرج منها امام نواظر الحراس، سبعين كيلوغراما من الذهب، وقد عرض عليه الجنود مساعدته في حملها فشكرهم وأخذها، وانصرف دون ان يعترضوا سبيله. أظن والقول لي: اظن ان الجند في هذه اللحظات الاولى لم يتلقوا اوامر بسرقة كل شيء في الكويت. وقد يكون هناك تفسيرات تحليلية أخرى.
فحمل سالم الحضرمي الذهب ومضى الى بيت صاحب المحل، وهناك اتفقا على دفن الذهب في حفرة في المنزل، وعندما هزم الجيش العراقي، وولوا الدبر، تم استخراج الذهب، لكن عشرين كيلوغراما منه كانت قد سرقت من "فترينات" المحل قبل وصول سالم الى المحل.
سالم الحضرمي غادر الكويت عندما فتح الطريق للخروج وعن طريق الاردن، عاد الى حضرموت، ومكث يسترزق من اعمال في البر والبحر، وعاد الى الكويت بعد خمسة عشر سنة ليفتح محلا تجاريا يبيع فيه الغتر والعقل والقحافي، والملابس المتنوعة.
وهو يحكي عن ان الامانة شيء عظيم يجب ان تؤدى الى صاحبها، وأن اهل حضرموت يتواصون بالامانة، وقد اوصاه والده عندما جاء الى الكويت وكان بعمر صغير، اوصاه بالامانة قبل ان يسافر، وشدد على ذلك.
تحياتي لاهل حضرموت على هذه الاخلاق النبيلة، وهم قدوة في الاخلاق والسلوك، ولا ينقص ذلك من قدر الجاليات المنضبطة الأخرى التي تشاركنا حياتنا.
كاتب كويتي