حين قال طرفة بن العبد بيت الشعر:
"كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ"
المولود عام 543 ميلادية، ربما كان يقصد الكويت، ليس في الكهرباء فقط، بل في قطاعات أخرى، بينما الأولى اليوم، فعلاً على ظهرها الكثير من الحلول، لكنها تعاني من ظمأ القرار.
إذ درجت العادة أن الحكومة وصندوق التنمية، وكذلك بقية المؤسسات المهتمة بالعمل الخيري الخارجي، وغيرها، تغدق على الدول الأخرى، وتبني محطات كهرباء فيها، ومع ذلك بخيلة على وطنها، وإذا أحسنّا الظن، فهي تنتظر أن تُعطى الضوء الأخضر من هيئات عدة، وتلك لها شروط تصل إلى حدّ التعجيز، لهذا منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، ونحن نعاني من أزمة الكهرباء، وأذكر أنني كنت في السفارة الكويتية في بيروت عام 1970، وفجأة انقطع التيار الكهربائي فيها، وكان أحد المواطنين موجوداً في المبنى، فقال فجأة: "هل وصلت سلطة السميط إلى بيروت"؟!
نعم، لن نبخس الرجل، رحمه الله، حقه، فهو حاول، لكنه كان يصطدم مرة بمجلس الأمة، و"هوامير" الشركات الذين كانوا يأملون نيل حصتهم في تشييد المحطات، وأخرى بلجنة المناقصات، وثالثة بديوان المحاسبة، وغيرها من العراقيل التي توضع أمامه، وعلى هذا المنوال تعاقب منذ ذلك الوقت الكثير من الوزراء الذين لم يحركوا ساكناً، للأسباب المذكورة، أو لأنهم أرادوا السلامة، ورغبوا في الرواتب الاستثنائية، فآثروا ترك الأمور إلى غيرهم، فيما تتجدد الأزمة كل صيف، وأخيراً اخترعت العبقرية الكويتية بدعة القطع المبرمج.
فمع بدء كل صيف، وقبله، نسمع عن حلول لكنها تبقى حبراً على ورق، وتذهب أدراج "رياح السموم" العنيفة الحارة، بينما الدعوة إلى الترشيد تبدو موجهة إلى العامة، وليست إلى الوزارات والمؤسسات الحكومية، والمساجد وغيرها الكثير من المرافق، التي تشتعل فيها الأضواء ليل نهار، وتبقى مكيفات الهواء تعمل طوال الوقت، حتى بعد انتهاء الدوام.
لهذا، أي شخص يرى الكويت ليلاً من الجو يعتقد أن الشمس لا تغيب عنها، في صورة عن الهدر المختلف تماماً عن بيانات الحكومة، وهذا ما دفع بالمواطنين إلى عدم تصديق بياناتها.
ولأن "الكويت غير"، لم تبادر الحكومة إلى الأخذ بخطط الدول المجاورة لحل هذه الأزمة، وهي بالمناسبة موجودة في كل العالم، وبسيطة جداً، تبدأ من الترشيد، والاكتفاء الذاتي للمدن والمناطق، فتكون لها محطات تديرها شركات، وفي الكويت يمكن أن تكون لكل محافظة إدارتها الذاتية للكهرباء والمياه، وحتى المجاري، التي تستثمر، وتصل إلى شرائح المستفيدين من الحد الأدنى للتيار، كما هو معمول به في السعودية، وبعض دول الخليج.
ثم لماذا علينا أن نعيش بعض الوقت في العتمة، ومكابدة الحر الشديد، هل جناب المسؤولين في وزارة الطاقة ليس لهم خلق للبحث في الحلول الواقعية، والعمل عليها بكل جدية؟
فقطاع الكهرباء مستقل في كل دول العالم، تديره شركات مساهمة، للمواطنين نسبة فيها، لكن عندنا ولأن الحابل اختلط بالنابل منذ زمن طويل، تبقى الحال على ما هي عليه، حتى يتيسر خبراء يعرفون كيف يدار هذا القطاع، وإلى اليوم ليس هناك أمل في ذلك.
لهذا، يبدو من بيان وزارة الكهرباء "أن أزمة القطع إلى ارتفاع الأحمال وزيادة الاستهلاك مقارنة بالعام الماضي لا أفق لحلها"، فإذا كانت المشكلة متوقعة منذ العام الماضي، ماذا فعلت الوزارة طوال الأشهر الماضية كي تتفادى انقطاع التيار، ولم ندخل بعد أشهر الصيف الحارة؟