مع ختام فعاليات أسبوع المرور الخليجي 2025 في دولة الكويت، تحت شعار "قيادة من دون هاتف"، تتجدد الدعوة إلى ترسيخ الوعي المروري، وتعزيز ثقافة القيادة الآمنة في مجتمعاتنا الخليجية.
قد يبدو الشعار بسيطاً في كلماته، لكنه يحمل في طيّاته رسالة بالغة العمق والأهمية، لا سيما في زمن تحوّلت فيه الهواتف الذكية من أدوات مساعدة، إلى مصادر إلهاء متواصلة.
لقد أصبحت لحظات الانشغال بالهاتف أثناء القيادة جزءاً من مشهد يومي مألوف، لكن ما يغيب عن أذهان الكثيرين هو أن تلك "اللحظات العابرة" قد تُفضي إلى نتائج مأسوية دائمة.
إذ ان إحصائيات الحوادث تشير بوضوح إلى أن نسبة كبيرة من الحوادث المرورية تعود إلى تشتّت انتباه السائق، وغالباً ما يكون الهاتف هو السبب الرئيس.
السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل تستحق رسالة أو مكالمة، مهما كانت عاجلة، أن نخاطر بسببها بحياتنا وحياة الآخرين؟ الجواب، بكل تأكيد، لا.
وفي هذا الإطار، واكبت الكويت من خلال تشريعاتها الحديثة خطورة هذا السلوك، فشدّدت العقوبة على استخدام الهاتف أثناء القيادة، باعتباره تصرفاً مُهدداً للسلامة العامة، فقد أقرت الحكومة جملة من قواعد مرورية جديدة تضع سلامة الإنسان في مقدمة أولوياتها، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن أمن الطرق مسؤولية تشاركية، تبدأ بالقانون وتنتهي بالتزام الأفراد به.
هذه القواعد تترجم فهماً عميقاً للتحديات التي تواجه مستخدمي الطريق، ولتردع كل من يتهاون في أرواح الآخرين، بحجة التواصل أو الترفيه.
الشعار المطروح هذا العام لا يوجّه اللوم فقط، بل يُحمّل كل سائق مسؤولية شخصية تجاه نفسه ومجتمعه، فالقيادة ليست مجرّد تنقّل من نقطة إلى أخرى، بل هي سلوك حضاري وممارسة يومية تعكس مدى احترامنا للقانون، ولحياة الآخرين.
ومن هذا المنطلق، فإن تبنّي عادات بسيطة أثناء القيادة يمكن أن يُحدث فارقًا حقيقيًا:
•ضع الهاتف في مكان لا تصل إليه بسهولة أثناء القيادة.
•فعّل "وضع القيادة" أو"عدم الإزعاج" عندما تستقل السيارة.
•إذا تلقيت مكالمة أو رسالة عاجلة، خذ القرار الصحيح: توقف بأمان قبل الرد.
•ذكّر نفسك دائمًا بأن كل ثانية من الانتباه قد تمنع كارثة.
الأهم من ذلك، علينا أن نُرسّخ هذه الثقافة لدى الجيل الجديد من السائقين، من خلال التربية المنزلية، والمناهج الدراسية، والحملات الإعلامية المستمرة. فالوعي لا يُبنى في يوم، لكنه يُكتسب بالتكرار والممارسة والقدوة الحسنة.
إن أسبوع المرور ليس مناسبة توعوية عابرة، بل محطة سنوية للمراجعة والتقييم وإعادة التأكيد على المبادئ الأساسية للسلامة المرورية، وإذا أردنا فعلاً أن نُترجم هذا الشعار إلى واقع ملموس، فعلينا أن نبدأ من أنفسنا، وأن نؤمن بأن القيادة الآمنة ليست رفاهية، بل ضرورة مجتمعية وأخلاقية.
قيادة من دون هاتف ليست مجرد سلوك مسؤول، بل هي التزام بالحياة… واحترام للآخرين، واختيار للسلامة على حساب التهوّر.
فلنحوّل هذا الشعار إلى أسلوب حياة، لا إلى شعار موسمي، ولنتذكّر دائماً أن ثمن التهاون لحظة، قد يكون عمراً من الندم.
كاتب كويتي