السبت 26 أبريل 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
البابا فرنسيس... لك الجنة
play icon
كل الآراء

البابا فرنسيس... لك الجنة

Time
الأربعاء 23 أبريل 2025
View
30
د.جورج شبلي

لقد أذاب الله قلب البابا فرنسيس شوقاً إليه، فأمن أنه الجوهر اللا متناهي الخير، والكامل الذي لا نهاية لكماله، وغير المتحوّل كما جاء في صلاة القديس أوغسطينوس، الذي ناجي ربه بقوله: "أنت وحدك، الموجود بلا تغير، والمريدُ بلا تغيّر".

من هنا، نهض البابا فرنسيس إلى نسج مواقف لم تكن سطحاً بغير عمق، فاستوى فيها الفرق بين الصوت المستساغ والضجيج.

رحل البابا فرنسيس المفتون بالروح الحي، أو الكينونة الخالدة للإنسان، أي إنسان، في أي مطرح كان، بعد أن أسس قوالب أضاءت على أفقه الفكري، في بعديه الروحي والإنساني.

لقد قال البابا كلمات كالثمار، لا تحتمل شكاً، تعيد صياغة مفاهيم العلاقة بين المواطن والوطن، حتى لا يكون الولاء شريداً، وعنوانا بلا مضمون.

لقد وعى البابا، أكثر من غالبية القيمين على مصير لبنان، أن الكيان الوطني بخطر، وأن العودة الى تمتين الرابط مع قاموس الولاء، تخرج الوطن من أزمته.

من هنا، أكد البابا على أن القضية اللبنانية هي جزء مركزي في أولياتِ اهتمامه، وقدم، في هذا الصدد، رافعة لتأهيل مشروع قيام الدولة القادرة، والواحدة، والمستقلة، والذي يمكن الأخذ به حلا للتعطيل المؤدي الى مزيد من الظلام، وذلك لإخراج البلد من عنق جهنم.

لم يكن البابا فرنسيس من صناع السياسة، وليس فنوياً ينصر هذا، ويخاصم ذاك، لذا، وَسَمَت المصداقية مواقفه، والمصداقية نعمة يُضفيها الله على البشر، فمن ينتفع بها ينل الحظوة في الدنيا والآخرة.

إن كل ما نطق به البابا، بتجرد، وبمحبة، لم يكن أقراصا منوّمة، كما كان يلجأ القابعون، عندنا، على رقاب الناس، الى "بروباغاندات" براقة تجذب المستعمرين بالفراغ، ولا تلبث أن يُفتضح مرماها المغرض. فالبابا كان يعيش في إشراق دائم، يستثمر إرث الباباوات القديسين الذين يعود اهتمامهم بالإنسان الى ما هرم من العصور، وكذلك الى معطى نُطق الروح القدس بلسانه، لينصح، ويُرشد، ويساعد، ويعزّز مواكبة الإنسان لقضايا الحق والعدل، انتقالاً من واقع الوحل الى الهواء النظيف.

كثيراً ما قام البابا فرنسيس بمحادثات مع أركان القرار العالمي لنصرة المسألة اللبنانية، ولم تكن محادثاته خطأ في الفراغ، فبعد أن عاين المنحى الانحداري في وطننا، على مستويات السياسة، والكيانية، واستحالة البقاء في أوضاع مذلة، أدى دوراً ريادياً في توجيه انتباه رؤساء الدول القادرة، الى أن من واجبهم الأخلاقي والإنساني، العمل سريعاً، لتبديد هاجس اللبنانيين بزوال بلدهم، كما عرفوه وعاشوا فيه، فهؤلاء ينتظرون جواز مرور الى الطمأنينة، والسلام، والعيش الكريم، في دولة سيدة، ويحق لهم بذلك.

إن الفرق بين دعوة البابا، وبين ما كان يخدعنا به مَنْ يخطف الشمس من عيوننا، من مدعي الاهتمام بقضيتنا، زوراً، هو كالفرق بين النور والعتم، وبين من يسعى لانتشال جباهنا من غمس الطين، وبين مَنْ يدفعنا للمشي على الشوك لننزف، وهم متوكلون على مقولة "التجويع للتطويع" فالبابا الذي امتشق بصليبه الخشب، خَفَرَهُ، ورقته، ولو بنبرة قلقة، ليُضرم في نفوس القادرين اندفاعاً لنجدة لبنان، كان أفعل من الذين تشاغلوا بالوعود المُزَوَّقة، وبمعسول المحاضرات الفارغة، فما ورم معهم، إلا أنوف الدسائس. لطالما كان الفاتيكان، لا سيما مع البابا فرنسيس، قنصلا للبنان من دون مرسوم، أحدثت دفوعاته، ودعواته، رجات كان من الخطأ إهمالها، وكانت تستوجب دراسة خاصة، ويستحق كلُّ تعبير فيها أن يُسبَرَ غَورُهُ، فَأَيُّ كلمة لم تكن من الشهود؟

ولما كان باستطاعة بابا الفاتيكان أن يقلب المقاييس، لصالح الحرية، ببناء تشكيلات نضالية تستعيد مشروع التحرر من الخضوع، هكذا، يجب تلقف مواقف البابا فرنسيس، والتي تعبر عن شوق الإنسان في لبنان الى الكرامة الحُرّة، ليتشكل قوام الكيان السياسي، والاجتماعي، الضامن حقوق الجميع، والمُستقل بقراره، والمُسمّى دولة.

إن الحكم بإعدام الوطن لن تُرَجَّح كفّتُه، لأنه نَبَتَ في تربة من جمر، وهو نزعة شعوبية تحركت لأهداف مشبوهة، مُلحَقَّةً بحواشي ضرب الدولة في كيانها، وهويتها، ووجودها الحرّ، ولو صيغت شعارات المُنقَلبين على الوطن بألف بينة سفسطائية. إنّ التمسك بمواقف البابا تجاه لبنان وقضيته، هو مد جسور وثيقة المتانة صوب الوطن التائق الى السيادة، والنابض بالحرية، والمتمسك بإكسير الحياة، وإذا كان موسى، في العهد القديم، قد استطاع شَقَّ المياه يباساً موصلاً الى أرض الميعاد، فالبابا فرنسيس، وحده، في العهد الحديث ناضل لإدخال بلسم الشفاء الى رئتي لبنان، وتنقيته من الوباء الخبيث، ليس بالبكاء المُبطن، فالبكاء للضعفاء، والبابا فرنسيس من الجبابرة.

أستاذ جامعي لبناني، كاتب

آخر الأخبار